أخبار محليةأخبار وطنية - دولية

سلطة الأولياء

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

محمد شحلال

رغم بعد المغرب عن مهد الإسلام،فإن من أكبر المفارقات،أن تجد بهذا البلد العزيز علينا ،عددا هائلا من أضرحة الأولياء الصالحين،حتى إن توزيعهم على خريطة الوطن،كان فيه كثير من المساواة التي لم تشمل ميادين أخرى.
لقد تحولت شهرة معظم الأولياء إلى ما يرقى إلى ثقافة شعبية ،تنهل منها النخب في حالات كثيرة،وإن كان ذلك بكثير من التحرز الذي ما يلبث أن يبوح بأسراره.
وإذا كنت حريصا على أن أظل في حدودي الجغرافية التي أكاد أجزم بأنني أعرفها،فإنه لا بأس من الإشارة إلى مشهد عشته قبل عقود حينما كنت أمارس عملي بنيابة بني ملال.
لقد رافقنا أحد الزملاء إلى مسقط رأسه بمراكش،ثم دعانا لجولة في ،،نفوذ طير الجبال(مولاي ابراهيم)،،الذي يرقد في أحضان جبل ،،توبقال،،.
كانت الطبيعة خلابة يومئذ،لا سيما وأن الفصل كان ربيعا،مما جعل الأرض تكشف عن كل محاسنها.
كان مضيفنا رجلا،،تقدميا،،من أبناء ،،سوس،،الأشاوس،ولكنه أبى إلا أن يحثنا على زيارة الضريح الذي ،يتجشم الناس عناء الوصول إليه من كل أصقاع الوطن ،أملا في حل بعض العقد التي تعوق انسيابية الحياة لديهم.
كان محيط الولي غاصا بنساء متخصصات في،،ضرب الخفيف،،وهو عبارة تعني تخليص ،،المشتبة،،مما يعانيه عبر إذابة قطع من الرصاص مع تقديم بعض التفسيرات المطمئنة.
خضنا التجربة من باب ،،الاستثقاف،،فسمع كل واحد منا تقريرا موجزا عن وضعيته،متظاهرين بالاقتتاع.
كان أغلب الزبائن من الجنس اللطيف،ضمنهن حسناوات مثقفات ،قدمن من العاصمة ومدن أخرى رغبة في طرد النحس، والعودة بأمل إيقاع فارس الأحلام في الشباك عند أول فرصة.
أشفقنا لحال هؤلاء البئيسات اللواتي طال انتظارهن،فتركن ثقافتهن جانبا، لعلهن يجدن الفرج على يد عجائز أميات ربما يمتلكن حلولا عبرتسخير معتقدات لا مكان لها في مدرجات الكليات والمعاهد.
وقفنا لحظات نتأمل ضريح ،،مولاي ابراهيم،،الغاص بالزوار،ثم عرجنا على بعض الأشجار التي تتناوب حولها الحسناوات لتعليق قطع من ملابسهن الداخلية الحميمية امتثالا لتعليمات ،،ضاربات الخفيف،،كشرط لتحقيق المبتغى.
كان الله في عون في كل فتاة طال انتظارها،وهي الظاهرة التي تزداد استفحالا يوما بعد يوم بكل ما ينجم عنها من تداعيات نفسية.
لم أعد إلى المنطقة منذ زمن طويل، ولست أدري هل لا زال سوق،، بيع الأوهام،، رائجا!
أما في مسقط رأسي،فإنه لا بد من ،،الاعتزاز،،بأن لدينا اكتفاء ذاتيا في مجال الأولياء الذين لازالوا يحظون بكثير من التقدير.
تتوزع أضرحة الأولياء في بلدتنا بشكل ديموقراطي،حيث يوشك أن يكون لكل منطقة وليها الذي تزاحمه بعض الأسماء النسائية !
يكاد سكان البلدة يجمعون على وضع ،،سيدي علي بن سامح،،في الصدارة،خاصة وأنه يرقد بقلب المنطقة وبالضبط في مدشر،،المقام العلوي،،غير بعيد عن السوق الأسبوعي.
وإلى جانب هذا الولي،فهناك ،،سيدي أحمد أومخلوف،، وسيدي اسماعيل،وسيدي بوبناد وسيد علي بن عبدالرحمان ،ثم سيدي أحمد أوزيان،،وغيره كثير.
يحظى الولي،،سيدي علي بن سامح،،بزيارات جماعية سنوية،وأخرى فردية على مدار السنة،وتختلف مآرب زواره،بينما يفضل البعض ،،سيدي أحمد أومخلوف،،اذا تعلق الأمر بحالات الصرع والمس.
تجذرت في الساكنة ثقافة متوارثة ،جعلتهم يبثون شكواهم ومعاناتهم للأولياء وحدهم، حيث لازالوا يقدمون القرابين لتحقيق رغباتهم،إلى درجة أن البعض كان يتجاهل القضاء،ويلتمس القصاص على يد وليه المفضل.
وإلى زمن قريب،كنا نتحاشى ذكر ولي من الأولياء بسوء في حضرة الكبار الذين ينتصرون لكرامته ،ويحذرون من عواقب التجرؤ عليه.
كنا نلمس مكانة الأولياء المحليين في سلوك أهالينا اليومي،حيث
لازال هناك إلى الآن ،من يقسم بسيدي علي باعتباره مقسمابه لا تصح فيه الرجعة ،بينما يقسم أخرون بأولياء محليين أو ممن طبقت شهرتهم الآفاق.
لقد تكرست هذه المعتقدات بناء على تراكم من الروايات المتوارثة،حيث يتداول الناس قصصا مثيرة عن قدرات هؤلاء الأولياء،وكيف أن فلانا قد تأذى بسبب ملتمس قدمه شخص لهذا الولي،وكان قد عانى من الغبن.
ولعل أوضح نموذج على سيادة هذه الثقافة الضاربة في القدم،هي تلك الحالات التي يكشف فيها بعض الناس المشهود لهم بالمصداقية،عن كون فلان قد،،ضربه رجال البلاد،،بمعنى أنه سيتلقى ضربة موجعة على يد هؤلاء الذين ضاقوا ذرعا بما صنع!
وبالرغم من التحول الذي عرفته بنية المجتمع المحلي عندنا،ورغم تراجع نسبة الأمية،فإن خدام الأولياء لازالوا أوفياء لعاداتهم،حيث يجددون الصلة مرة في السنة -على الأقل -من خلال الذبائح المختلفة،بينما لا يتردد البعض الآخر في ارتياد ضريح الولي المفضل كلما طرأ مكروه، بل إن معظم الناس يستبقون الأحداث،فيزورون ضريحا معينا توجسا من عواقب حلم راودهم خلال النوم فيسعون لتفاديها عبر تقديم القرابين !
ليس من الوارد أن تختفي هذه الثقافة الشعبية ببلدتنا في المدى القريب،ذلك أن بعض المنتخبين المتنورين،لا زالوا يكرسونها خلال كل استحقاق، عندما يدعون الساكنة لحضور  ولائم كبيرة ،يقيمونها في فضاءات هذه الأضرحة تحت ذرائع مختلفة لا تغيب أبعادها عن أ أغبى الناس،ولكنه مسلسل التجهيل الذي يلوذ به منتخبونا في كل أرجاء الوطن،ثم يتحدثون عن تخلف الشعب من غير حياء !
وقبل طي هذه الصفحة من تقاليد بلدتي،فإنه لابد من التذكير بحالة  مشابهة عشنا أطوارها على مدى سنين عديدة.
كان أحد الأشخاص من الشرفاء البلغيثيين يناديه الأهالي،،سيدي علي،،كان يزور منطقتنا بانتظام، ويحظى بتقدير كبير لدى بعض العائلات.
كان هذا الرجل لا يتكلم إلا عند الضرورة،حينما يسأله الكبار عن بعض القضايا الدينية والاجتماعية،لكنه اشتهر بكونه كان يغني الناس عن موانع الحمل عبر الطلاسم التي كان يحضرها للراغبين،والذين يقسمون بأغلظ الأيمان بأن طلاسمه كانت تؤتي أكلها !
بعد ذلك،زادت شهرته حين صار يوقف تمدد مرض البرص بواسطة كتاباته،كما كان يعالج بها المصابين بالسعار.
أما تليين قلوب المطلوبات للزواج الرافضات،فقد كان لهن بالمرصاد، حيث يجعلهن يمضين نحو العريس المرفوض صاغرات !
لقد توفي الشريف منذ سنوات، وخلف فراغا بين أحبته،ولكن ،،أعمال الفقهاء،،ونفوذ الأولياء لا زال سوقهما حاميا في بلد يتعلق البؤساء فيه بأضعف قشة لتحقيق الأحلام، ولو كان الطريق يمر عبر الأعمال الشيطانية المستشرية في مجتمع يستهلك التكنولوجيا والتخلف على نفس المائدة !

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock