أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

هل انطلق العد العكسي لمحاربة الفساد؟!

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

اسماعيل الحلوتي
في ظل محدودية آليات الكشف عن جرائم الفساد وغياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى مدبري الشأن العام للنهوض بأوضاع البلاد والعباد، لم يكن حتى أكبر المتفائلين يتكهن بأن المغرب سيكون قادرا على محاربة الفساد في المديين القريب والمتوسط، خاصة أن المؤشرات والتقارير الوطنية والدولية تؤكد بأنه يسير نحو مزيد من تفشي هذه الآفة التي تحول دون تحقيق التنمية والحد من معدلات الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية، رغم كل ما يبذل من جهود في اتجاه القضاء على مختلف مظاهر الرشوة والمحسوبية والزبونية والامتيازات وتبديد الموارد واقتصاد الريع وغيره كثير…
لكن على عكس كل التكهنات كان المغاربة في أواخر سنة 2023 على موعد مع سقوط رؤوس عدد من المنتخبين المفسدين من المتلاعبين بالمال العام والمتاجرين في المخدرات، حيث أنه مباشرة بعد تفجر قضية “إسكوبار الصحراء” التي عصفت بمجموعة من الشخصيات السياسية والعمومية ورجال الأعمال وغيرهم، يأتي في مقدمتهم كل من البرلماني السابق ورئيس مجلس عمالة الدار البيضاء، سعيد الناصري رئيس نادي الوداد الرياضي البيضاوي، والبرلماني عبد النبي بعيوي رئيس جهة الشرق، المنتميان معا إلى حزب الأصالة والمعاصرة، واللذان أودعهما قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء صباح يوم الجمعة 22 دجنبر 2023 في سجن عكاشة لاتهامهما بالاتجار الدولي في المخدرات وتبييض الأموال وتزوير في محررات رسمية.
ارتفع منسوب القلق لدى بعض البرلمانيين والسياسيين الذين أخذوا يتحسسون رؤوسهم خوفا من “قطافها”، حيث ينطبق عليهم قول ابن سهل الأندلسي: “كاد المريب أن يقول خذوني” في قصيدته التي تحمل عنوان “بأبي جفون معذبي وجفوني”، ولاسيما أن الحدث الصادم الذي اهتز له الرأي العام الوطني جاء متزامنا مع إعلان المحكمة الدستورية في 26 دجنبر 2023 عن تجريد برلمانيين من عضويتهم بمجلس النواب، ليس بسبب التخلي عن انتماءاتهم السياسية أو ما شابه ذلك من غياب متواصل دون عذر، وإنما لصدور أحكام في حق البعض ومثول البعض الآخر أمام القضاء.
فقد عرفت سنة 2023 تحريك متابعات قضائية بخصوص ملفات فساد مالي وإداري أو في جرائم ليس لها أي ارتباط بالأداء السياسي، أطاحت بعدة مسؤولين وشخصيات بارزة منهم وزراء سابقون وبرلمانيون ورؤساء جماعات وغيرهم، سواء تعلق الأمر باختلالات تدبير الشأن العام المعروضة على البحث والتحقيق، أو ملابسات إحالة رئيسة المجلس الأعلى للحسابات زينب العدوي 18 ملفا من القضايا ذات الصبغة الجنائية على رئيس النيابة العامة، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، لاتخاذ المتعين بشأنه وفق المساطر الجاري بها العمل، والمتعلقة بمرحلة التدقيق خلال الفترة المتراوحة بين يناير 2022 وأكتوبر 2023، كما هو مبين في التقرير السنوي للمجلس.
وهو الأمر الذي إلى جانب تفاعل المغاربة معه وخلف لديهم شعورا بالارتياح، كيف لا وهم يرون بلادهم تتجه صوب القطع مع الفساد بمختلف أشكاله وأنواعه والضرب بشدة على أيدي المفسدين مهما كانت مراكزهم، وإحقاق العدالة دون أي تمييز بين وزير أو غفير؟ وهي المتابعات القضائية التي لا تدين فقط المتهمين ممن ثبت ضلوعهم في شبهة فساد مالي أو رشوة أو اتجار في المخدرات أو تبديد أموال عمومية وغيرها، بل تسيء كذلك إلى سمعة الأحزاب السياسية التي ترشحوا باسمها، سواء منها تلك التي تشكل الأغلبية الحكومية أو المحسوبة على المعارضة البرلمانية…
أبى عدد من الخبراء والمحللين السياسيين إلا أن ينوهوا بنزاهة القضاء المغربي، وما يقوم به من أدوار في تفعيل القانون ضد كل المتورطين والمتهمين من أجل التصدي للمفسدين، الذين كشفت الأبحاث والتحقيقات عن ارتكابهم جرائم مرتبطة بالفساد المالي أو الإداري، والقطع مع كافة أشكال الريع ونهب المال العام واستغلال النفوذ والاتجار الدولي في المخدرات والاتجار في البشر وكل ما هو عمل غير مشروع، معيدا بذلك الثقة للمواطنات والمواطنين في مؤسساته ومؤكدا على مبدأ المساواة أمام القانون.
وللتأكيد على ما لآفة الفساد من عواقب وخيمة على الأفراد والمجتمع ككل، نستحضر في هذا السياق ما جاء به الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة في 30 يوليوز 2016 بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لعيد العرش، حيث قال جلالته: إن “محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع، الدولة بمؤسساتها من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها للضرب بقوة على أيدي المفسدين” وأضاف بأنه لا ينبغي أن تكون مكافحة الفساد في البلاد موضوع مزايدات، مشددا على أنه “لا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا، أو حزبا، أو منظمة جمعوية، بل أكثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خارج إطار القانون”
إننا إذ نشيد بما تقوم بها المؤسسات الأمنية والقضائية وغيرها من مؤسسات الرقابة من جهود مضنية بهدف محاصرة أخطبوط الفساد، الذي يحول دون تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، وما عرفته بلادنا في السنة الماضية من متابعات قضائية، أعطت الشعب المغربي وغيره من شعوب العالم إشارة قوية بأن المغرب ماض في طريقه نحو تخليق الحياة العامة والتأكيد على أن جميع المغاربة سواسية أمام القانون، فإننا نأمل ألا تكون “حملة التنظيف” هذه مجرد زوبعة عابرة، وندعو إلى المزيد من التعبئة والاستمرار في تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock