أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

وفي خاطري مغرب.. يتوضأ قضاته بالعِفة – الحلقة 3 –

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

رمضان مصباح

الحلقة:3

أي ملف هذا الذي ظل محمولا ،على ظهر سلحفاة كسولة ومتواطئة؟.

مفهوم العفة:

“لغة: هي مصدر عفَّ، يُقال: عَفَّ عن الحرام يعِفُّ عِفَّةً وعَفًّا وعَفَافَةً أي: كفَّ، وأعَفَّهُ الله، واسْتَعَفَّ عن المسألة أي: عفَّ، وتَعَفَّفَ: تكلف العِفَّةَ، والعِفة الكَفُّ عما لا يَحِلُّ ويَجْمُل، والاسْتِعْفاف طلَبُ العَفافِ.”

العدلُ ملكٌ:
وهذا أقوى من جعله أساسا فقط ،حتى بدا لبعض القضاة الفاسدين –بإغراء من المتقاضين طبعا وضعف الرقابة – أنهم في سافلة عمارة الملك ،وليس في واجهتها.
وربما من هنا قضاءُ الخفاء؛ أو “من تحتها” كما عبر أحدهم، مزهوا ببيضة المنصب في عُش الدولة.
الاشتغال تحت تحت ؛ألا تَعتبر مقولةُ “العدل أساس الملك” القضاةَ مجرد عمال حفر الأسس ،وليس اعلاء البناء.
لا يا سادة ،العدل هو قلبُ الملك، ومِعماره الكامل ، وواجهتُه.
يحكم القاضي ،واثقا من نفسه باسم صاحب الجلالة، وتتضمن أن به “مسا” من الملك ،تلبسه وهو يراجع القانون ،ثم وهو ينقُد الأدلة ،ويَعجِم عيدان الجزاء.
وكأني بمفسدي القضاء لا ينتبهون الى كل هذه الأمانة العظمى، وهم يُحكِّمون اغراء المال في مُلك هم منه وهو منهم.
يالهول الفضيحة أ ن تقايض نصيبك من المُلك ،بمال حرام ،لن تقدر على احفائه مهما اجتهدت؛ اذ “تأبى الدراهم الا أن تُخرج أعناقها “كما أكد الفاروق عمر رضي الله عنه.
وطوبى لك اذا كنت من صناع فرحة العدالة ،تراها على وجوه من تَحَيَّفهم الظلمُ ؛وهي بعض من نور الملك الذي حزته قاضيا بظهير قلبي قبل الورقي.
ويا لهولٍ بثُقل الجبال اذا خذَّلت وزيفت وعدَّلت ظلم الظالم ،تنتصر له طماعا مكابرا ،تتطأ
بقدميك الهمجيتين جمجمة المظلوم.
وهذا تصرف أرعن حتى في حق ما وَلِيكَ من مُلك ؛أنت منه وهو منك.
ويمضي الظالم مزهوا بقضاء ظالم نزل ،ينظر شامتا الى جمر يتهاوى من عيون مكلومة.
طبعا هو لا يعي أنه اقتطع هذا الحكم من معمار الملك ،وسود بعضا من زجاجه حتى يعتم نوره.
ولن يستحضر أنه ،في هذا ،كمن “قتل الناس جميعا”.
أكل هذا في القضاء؟
نعم وأكثر؛ سواء احتكمنا الى فقه الولاية الاسلامي،أو فلسفة ومفردات العقد الاجتماعي –أساس الدول الافتراضي- كما نظر له رجاله الغربيون، أو روح القوانين.
ان القضاء –كما التعليم – ليس وظيفة ؛الا من جهة تنظيمه الاداري الضروري ؛وحتى لدى السلف، كان يحوز ،في جسم الدولة الاسلامية ،بكل مراتبه مكان الصدارة ،الذي لا يقتعده غير العلماء الأكفاء والفضلاء.
وكثيرا ما تهيب العلماء القضاء ورفضوا توليه،من هول مسؤوليته. ومنهم من جلد وقهر وما لان.
وكما كان معمارا للملك وبابه ونوره –حال الاقتدار والعفة والنزاهة- توالى منه أن يكون المبتدأ في انهيار الدول ،حينما يسوء ويفسد .
أقضاة ويشار اليهم بالأقدام؟
تتأسف وتتألم ،ثم تشك ،من سمو المكانة في المُلك ،وفي الذهن لكن تواجهك الحقائق صارخة ؛من شدة ثراء البعض ؛وحتى من ردهات المحاكم حيث يحاكمُ القضاةُ القضاةَ.
وسمو المكانة يقتضي أن يكون القضاء ،في حد ذاته درعا يقي الجسم من كل نوازع الشر.
وبمعن آخر: القضاء يجب ما قبله.
تصور أن يثق فيك ملك،ويُسلِمكَ خاتمه ،وحيزا من ملكه ؛ثم تتأسس لك ،لدى الشعب،مكانة وسمعة؛ ثم ينكتب اسمك ضمن كل قضاة الانسانية ،منذ استُنبت العدل استنباتا في الأدغال ؛وفي الأخير يتكشف لك وجه لاتنشق له حتى الأرض ،عيافة، لتغيبه ،كما تفعل مع بذور الأمل والزهور.
قاضٍ للقضاة،اسمه التهامي بناني:
حالة من ضمن حالات انقلاب القضاء على نفسه ،مدمرا للمعمار الكامل.
نعم انتهى هذا الشاب ،رحمه الله، الى أن يصبح القاضي –خارج ردهات الادارة والمحاكم،وداخل كل القلوب ،في المغرب والعالم – على كل من له صلة بقضيته ؛وخصوصا القضاة الذين توالوا على ملفه ،اما اقبارا أو تخذيلا ،أو انصافا.
الى أن ظهر الحق نورا ،من مصابيح قضاة النزاهة.
والى أن تُوجت الأم أما لكل المغاربة ،استحقاقا ،وقد تألمت وصبرت وما فقدت الأمل في العدالة ،بمعناها الملكي السامي.
كيف ستواجهون الآن هذا الشاب ،وهو قاضيكم ،وبلباسه الذي قتل فيه ؟
لم يعد له عُمرٌ زمني محدود، وسيعبر الأجيال والأجيال صارخا مدينا ؛وفرحا بمن قال :لا ،وأنصف .
بعد قرابة العقدين من الزمن ،والحال أن المدينة صغيرة ،يتحدث فيها الناس عبر النوافذ.
أي ملف هذا الذي ظل محمولا ،على ظهر سلحفاة كسولة ومتواطئة.
وهو قاض علينا جميعا لأننا اكتفينا بالتفرج على الألم كل هذه السنين.
وهو قاض على كل مواطن ساهم في افساد بعض القضاء ،حتى تجاسر على قتيل وداسه حقيقة ومجازا.
والله حقت له محكمة تحمل اسمه ،حتى يعتبر من يعتبر،عبر الزمن القضائي المغربي كله.
ومرة أخرى :ان العدل ليس أساس الملك فقط ،بل معماره وواجهته ونوره.

والى حلقة أخرى من المغرب الذي في خاطري،وأنا ابن السبعين.

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock