أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

رعب بعيدا عن الوغى

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

محمد شحلال

إن لغة الرصاص التي لا يعلى عليها الآن في دولة أكرانيا،امتحان عسير لا يتمناه عاقل لغيره،ذلك أن الرصاص لا يختار أهدافه حينما يشتد وطيس القتال،مما يجعل المواطنين العزل، يؤدون الثمن من حقهم في الحياة أو الاستسلام لكل أشكال الرعب الذي يلازمهم إن كتب لهم العيش.
تتميز الحروب المعاصرة بقوة الفتك الذي يلحق الدمار في كل مقومات الحياة،حيث يحول قصف ساعات أو أيام محدودة، منجزات قرون كاملة، إلى أنقاض تختفي معها حضارة عريقة وتاريخ،مثلما حصل في العراق وسوريا واليمن.
وإذا كان من حقنا أن نتشفى- مكرهين-في الرئيس الأكراني الذي انتشى ذات يوم بالمساهمة في إسقاط كبرياء وشموخ بغداد في موكب الغزاة الأوغاد،فإننا لا نتمنى لشعب هذا البلد أن يهان كما تهان شعوب ضحية لبشرتها رغم تاريخها العريق !
تسود في أكرانيا مشاهد مرعبة تذكرني- شخصيا -بأحداث واكبت كفاح المقاومة ببلادنا،وإن كانت أحداثا لا ترقى إلى معاناة الأكرانيين،بقدر ما تثير في النفوس رغبة في الضحك لسورياليات بعض ما حصل حتى صانته ذاكرة الأهالي.
في عز المقاومة الوطنية بعد نفي الملك محمد الخامس-رحمه الله-اختار بعض الفدائيين يوم الخميس الذي هو يوم السوق الأسبوعي ببلدتنا ،لتتفيذ عملية نوعية اختاروا لها مكانا يهيء كل شروط الفتك والحصانة.
انفجرت القنابل مخلفة دويا سمع في كل أرجاء البلدة،وسرعان ما سرى الرعب في النفوس وانفضت جموع المتسوقين فارين في كل الجهات بحثا عن النجاة.
وصلت التعزيزات الاستعمارية بسرعة البرق،ثم انطلق البحث عن ،،الإرهابيين،،كما يلقب المقاومون في قاموس المحتلين.
قامت القوات الفرنسية بعمليات تمشيط واسعة تمت خلالها مداهمة بعض المساكن التي قد يحتمي بها المبحوث عنهم،خاصة ما يقع منها بمحاذاة الطريق.
كان أحد الشيوخ من أقاربي قد تغيب عن السوق في ذلك اليوم،ليظل إلى جانب عرائسه وأحفاده، ويذود عن الحياض،حينما أثاره هدير قافلة من الشاحنات والمعدات العسكرية وهي تثير النقع في مسلك غير معبد.
اختبأت النساء،بينما صاح الشيخ في الجنود القادمين نحو مسكنه مستبيحين سنابل الزرع المتموجة:
– أفغث زكمندي ألبرص !؟(أخرجوا من الزرع أيها البرص- كذا)!
لم يكن الشيخ على علم بما جرى، ولا بالأذى المحتمل الذي قد يلحقه على يد هؤلاء الغاضبين،كما أن نداءه المقرون بالسخط لن يصل أبدا إلى أسماعهم ،لاختلاف الألسن والبلاغة التي تفقدها هذه العبارة بمجرد تعريضها للتصرف.
لقد وفق الشيخ في التشبيه،ذلك أن داء ،،البرص،،يطرأ دون سابق إنذار،فيهجم على الجسم السليم ليعبث بمحاسنه إلى درجة تغيير الملامح الحقيقية التي عرف بها المصاب.
وهكذا فإن شيخنا إنما نعت الجنود ب،،البرص،،لأنهم سيطيحون بصفوف السنابل المتهادية ليقوقفوا رقصاتها،فيضيع معها مشهد الحقل الذي يلحقه الخلل فجأة !
تعطلت لغة الكلام بين المهاجمين والشيخ،فعمدوا إلى اقتحام الخيمة بحثا عن صيد محتمل . ارتبكت النساء وهن يشاهدن أشخاصا غرباء في كل شيء،وأصابهن الهلع وهن يجدن أنفسهن فجأة، تحت رحمة أسلحة غير معهودة !
انطلقت عملية التفتيش التي لم تدم طويلا لزهد المتاع،لكن أحد الجنود امتدت يده لآنية فخارية مغطاة،فلما كشف عنهاغطاءها،طارت دجاجة كانت تحضن بيضها هناك.
قفز الجندي بكل قوة من شدة الهلع معتقدا بأنه وقع في كمين،بينما دخل رفاقه في نوبة ضحك هيستيري !
استعاد الرجل هدوءه بعد لحظات حرجة،ثم انخرط بدوره في الضحك،وغادر الغزاة المكان بعد محاولة متأخرة لتلطيف الأجواء عبر توزيع قطع من الجبن على إحدى الفتيات التي سرعان ما التقطت إشارة تحذير من والدتها بعدم التهام هذا الجسم المشبوه الذي قد يعجل برحيلها !
استأنفت القافلة سيرها،وداهمت مزيدا من المساكن،واستفزت العديد من التعساء الذين صادفهم الجنود في الطريق دون جدوى،لكنهم لم يصلوا أبدا إلى الأبطال الحقيقيين الذين كبدوا النصارى خسائر فادحة، والذين تحولوا إلى أعلام في كل أرجاء البلدة.
إن من الهم ما يضحك أحيانا،وقد أضحكت عبارة،،لفقير موسى،،كل من سمعها،بل إن الناس امتدحوا جرأته البريئة التي لم تنل منها الآليات العسكرية على خلاف ما عاناه غيره ،حيث أبدع كل بطريقته في معاناته قبل النجاة من موت محقق.
نسأل الله أن تتوقف الحرب في كل مكان، فالناس مازالوا يحلمون بحلو الحياة ،لكن الطغاة ينغصون علينا العيش لأن سمومهم لا تدخر أحدا فوق الأرض،ناهيك عن الطبيعة بكل مكوناتها.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock