أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

ابن حزم والأطياف النفسية والسلوكية للمرأة الأندلسية

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

الدكتور محمد بنيعيش
كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة المغرب

أولا: نفسية المرأة وقرب الملاحظة عند ابن حزم

يبدو من خلال مطالعة كتب ابن حزم وخاصة “طوق الحمامة” أنه قد أدرك بدقة كثيرا من الفوارق النفسية بين الرجال والنساء.وفي هذا الموضوع قد نتوافق معه وقد نختلف كثيرا ،تماما كما اختلف تصوره ووعيه بين مرحلة الشباب المبكر المنفعل ومرحلة الكهولة والتريث والتبصر.
لهذا فليست كل القوانين والسلوكيات التي تصدق على الرجال يمكن أن تتحكم وتوظف لدى النساء وذلك لأسباب،منها:الخصوصية النفسية والبنية الجسدية والتكوين الثقافي والاجتماعي…كما أنه ليست كل النساء يمكن أن ينطبق عليهن الوصف الآتي ذكره ،ولكنه بحسب الظروف والواقع والعادات والثقافات.إلا أنه مع ذلك يصور لنا واقعا أندلسيا في مرحلة متأخرة طغى فيها جانب العواطف والغراميات والألحان والسهرات فكان ما كان مما لست أذكره ولكن من غير ظن خيرا كان أم غيره…
فهناك بعض الأحول والطبائع الخاصة بالرجال وبعضها الآخر لا يعني سوى بالنساء.
لكن كيف أمكن له معرفة هذه الفوارق بشكل وبلغة علمية كما عرض لبعضها في كتابه “طوق الحمامة” أو “الأخلاق والسير”؟.
فهو قد كان ذا اتصال وثيق بالعنصر النسوي وخاصة المرأة الأندلسية وبيئتها الخاصة،ومن هنا فقد لاحظ أشياء كثيرة لديهن،كما خرج بنتائج قلما يوجد مثلها عند المفكرين النفسيين قبله وذلك في شكل ملاحظة موضوعية وتتبع دقيق للحركات عندهن.
فكان أهم مجال ظهرت فيه المرأة بخصوصياتها النفسية عن الرجل هو مجال الحب وعوارضه وأسبابه،حيث يقول عنه:”ولقد اطلعت من سر معتقد الرجال والنساء في هذا على أمر عظيم،وأصل ذلك أني لم أحسن قط ظنا في هذا الشأن مع غيرة شديدة ركبت في …
لكن اهتمامه كان منصبا على النساء أكثر من الرجال؛كما يحكي عن حاله معهن:”فلم أزل باحثا عن أخبارهن كاشفا عن أسرارهن وكن قد أنسن مني بكتمان،فكن يطلعنني على غوامض أمورهن،ولولا أن أكون منبها على عورات يستعاذ بالله منها لأوردت من تنبههن في الشر ومكرهن فيه عجائب تذهل الألباب”.
فهنا إشارة إلى صفة خلقية من الضروري وجودها في الباحث الذي يروم الوصول إلى مداخل النفوس التي يتحرج أصحابها من إبراز مكامنها،هذه الصفة هي سوء الظن،وفائدته تتجلى في عدم الثقة بالأقوال السطحية والحركات الظاهرية للأشخاص عند البحث العلمي والتنقيب.
بل ينبغي تعقب الشخص المراد البحث عن نفسيته وذلك باستمرار ومواصلة إلى النهاية،مع وعد للمستنطق أو المراقب بعدم إفشاء أسراره والالتزام به حتى يستأنس المبحوث فيه بالباحث ويدلي إليه بكل أسراره الداخلية،ومن ثم يتحصل على المعلومات الضرورية لتكوين نظرية نفسية أو أخلاقية بخصوص الحالة المتوخى تقنينها.

ثانيا:المرأة الأندلسية والمتلازمة العاطفية والوجدانية من منظور ابن حزم

إن أهم خصائص نفسية امرأة -كما يذهب إليه- هي طغيان الجانب العاطفي على التفكير العميق لديها،ولهذا فعقلية المرأة تتسم في غالبها بالقصور النوعي المقيد وخاصة في تصور الأبعاد المترتبة عن فعل ما.
إذ هنا يتشبث بفكرة – حسب رأيه-أن النساء ضعيفات التمييز بالنسبة إلى الرجال خصوصا،ولسن بذات القدرة المتواصلة للتعمق في المسائل العقلية التجريدية.
بحيث إنهن في كثير من الأحيان لا يميزن بين المنفعة والمضرة لمآلهن رغم وضوحهما،بل إنهن لا يكدن يتخلصن من الشعور بذواتهن أو الاتحاد والاندماج بالموضوع المتفرغات له،خاصة المواضيع ذات الأبعاد التجريدية والمنافع العامة،فهن بطبيعتهن منطويات على أنفسهن لا يستطعن الخلاص من تأثيرات غرائزهن وخاصة الغريزة الجنسية.
لهذا فإنه إن بدا نوع من المساعدة من طرفهن والتضحية فإنه أكثر ما تكون خاصة بالمساعدة في تحقيق زواج لفتى من فتاة أو العمل على مساعدة فتاة يتيمة لتجهيزها لزوجها ،وهو ما نلحظه من كثرة الجمعيات النسوية التي تهتم بشؤون المرأة والطفل ومزاعم الإدماج الاجتماعي والوقاية …وهو ما ينعته علماء النفس الحديث بالمشاركة الوجدانية حيث يتأثر الإنسان بحالة غيره ويشاركه آلامه وأفراحه ويعمل على مواساته”.
يعلل ابن حزم هذا الميل الخاص بالنساء،وخاصة غير ذات تكوين علمي ومعرفي، بأنهن:”متفرغات البال من كل شيء إلا من الجماع ودواعيه والغزل وأسبابه،والتآلف ووجوهه،لا شغل لهن غيره ولا خلقن لسواه،والرجال مقتسون في كسب المال وصحبة السلطان وطلب العلم وحياطة العيال ومكابدة الأسفار والصيد وضروب الصناعات ومباشرة الحروب وملاقاة الفتن وتحمل المخاوف وعمارة الأرض وهذا كله متحيف للفراغ صارف عن طريق البطل!”.
هكذا يعلل سبب هذا النقص والسلوك الضيق عند بعض النساء وليس كلهن،فهو رهين بالبطالة وقلة الانشغال بالأمور المعقدة والعميقة،الشيء الذي سيصرفهن إلى التفكير المفرط في المجال الجنسي،مما قد يتساوى فيه معهن حتى الرجال عند توفر نفس الحالة من البطل كما عبر عنه، وليس أنه لديه تمييز عنصري بالدرجة الأولى.
لكن مع هذا فالجانب العاطفي يبقى عند النساء أقوى من الجانب العقلي الذي قد يعتبر ميزة وليس نقيصة،وخاصة عندما يوظف في الحضانة والوفاء في الحب وشدة التعلق بالمحبوب.
بسبب هذا فقد يدخلن حسب رأيه من هذا الجانب في حكم الصبيان وناقصي التمييز،نظرا لبعض التصرفات التي تصدر عنهن رغم أنهن قد يكن في سن التمييز وكمال الأهلية والرشد.
هذا الطبع لديهن قد يجعلهن أشد كلفا من الرجال عند التعلق والميل الكلي نحو الشخص الذي يحببنه،وذلك لغلبة الخيال عليهن واستبداده بأفكارهن.
فهن وإن كن يشتركن مع الرجال في الحب عن طريق الوصف فتعلقهن بهذا الوصف يبقى أقوى منهم لأن “حب النساء في هذا أثبت من حب الرجال لضعفهن وسرعة إجابة طبائعهن إلى هذا الشأن وتمكنه منهن”.
عند هذا الضعف الملازم لبنيتهن النفسية فقد يكن أكثر تعرضا للغرور والعجب واستجابة للتغرير ووقوعا في شراك المخادعين.
إذ أكثر ما تغتر المرأة؛بأختها المرأة،لأن الرجل قد يعجز في كثير من الأحوال عن أن يصل إلى امرأة رغب في مواصلتها،لكنه سيلجأ إلى وسائل عبر عنها ابن حزم بالسفير!.
بحيث سيكون أهم عنصر في تحقيق هذا الهدف هي المرأة نفسها،نظرا لأنها سريعة الانفعال والتأثر والانخداع بالمرأة من جنسها،فتكون هي المغرية والمغرورة أو المغرَّر بها.
فليس أنسب للإيقاع بالمرأة في شباك المخادعين من الرجال إلا عن طريق امرأة مثلها،تثق بها وتظن بها المساواة والسعي في مصلحتها ومشاركتها وجدانيا،إذ من هنا قد تقع فريسة الخطيئة وتغلب عليها العاطفة والخيال الذي هو من أعراض ضعفها.
لهذا فإنه يحذر بعض النساء الحديثات السن من الثقة ببعض من يظهرن الصلاح ويتزيين بأزياء خاصة، حسب الظروف والبيئة التي كانت عليها الحياة الأندلسية آنذاك،أو يزاولن أعمالا وصناعات تتيح لهن الاتصال بالرجال والنساء على حد سواء”.
ونظرا لوجود هذه الحالات النفسية المميزة للمرأة عن الرجل فإن البعض منهن لا يمنعهن عفافهن أو تقواهن من إبراز أسرارهن العاطفية للعامة،وليس ذلك إلا لأنهن ضعيفات البنية النفسية،فيردن أن يعوضن هذا الضعف بإبراز كمالهن عن طريق الاشتهار بقدرتهن على سلب لب محبيهن.
فبخصوص هذا الموضوع يذكر أنه قد قرأ في “بعض أخبار الأعراب أن نساءهن لا يقنعن ولا يصدقن عشق عاشق لهن حتى يشتهر ويكشف حبه ويجاهر ويعلن وينوه بذكرهن”،ويعلق على هذه الظاهرة بأنه لا يدري”ما معنى هذا ،على أنه يذكر عنهن العفاف،وأي عفاف مع امرأة أقصى مناها وسرورها الشهرة في هذا المعنى”.
ثالثا: مفهوم الصلاح وشروط تثبيته بين الرجال والنساء

فالواقع حسب تحليل ابن حزم هو أن هذه الظاهرة دليل على ضعف نفسيتهن من حيث قوة التعقل لديهن كما سبق الحديث عنه،ولهذا فالمرأة إذا أهملت تعرضت للانهيار والتسيب وقد تتأثر بهذا الإهمال سواء من الناحية النفسية أو الجسدية.
فهي إذن ذات بنية ضعيفة في كلا المجالين”وإنما النساء رياحين متى لم تتعاهد نقصت وبنية متى لم يهتبل بها استهدمت،ولذلك قال من قال :إن حسن الرجال أصدق صدقا من حسن النساء وأثبت أصلا وأعتق جودة لصبره على ما لو لقي بعضه وجوه النساء لتغيرت أشد التغير،مثل الهجير والسموم والرياح واختلاف الهواء وعدم الكن”.
كما أن لضعف بنية المرأة الجسدية انعكاسا على البنية النفسية لديها –في رأيه- وهذا لا يعني بالكلية أن بنية الرجل غير مدخولة أو ضعيفة،بل إنها قد تشترك مع بنية المرأة في هذا الضعف النفسي خاصة،ولكن ليس على نفس مستواها.
فهو له طبيعة المبادرة بالنسبة إليها،بينما هي تبقى متحفظة في غالب أحوالها،خاصة إذا بقيت على حالها ولم تستثر غرائزها.
ولهذا فالناس كثيرا ما يغلطون في تفسير معنى”الصلاح غلطا بعيدا،والصحيح في حقيقة تفسيرها أن الصالحة من النساء هي التي إذا ضبطت انضبطت وإذا قطعت عنها الذرائع أمسكت،والفاسدة هي التي إذا ضبطت لم تنضبط وإذا حيل بينها وبين الأسباب التي تسهل الفواحش تحيلت في أن تتوصل إليها بضروب من الحيل.
والصالح من الرجال من لا يداخل أهل الفسوق ولا يتعرض إلى المناظر الجالبة للأهواء ولا يرفع طرفه إلى الصور البديعة التركيب،والفاسق من يعاشر أهل النقص وينشر بصره إلى الوجوه البديعة الصنعة،ويتصدى للمشاهدة المؤذية ويحب الخلوات المهلكات.
والصالحات من الرجال والنساء كالنار الكامنة في الرماد لا تحرق إلا من جاورها إلا بأن تحرك،والفاسقان كالنار المشتعلة تحرق كل شيء …وأما امرأة مهملة ورجل متعرض فقد هلكا وتلفا”.
إن ضعف القدرة على التحكم في النزعة الجنسية عند الرجل والمرأة قد يكون على حد سواء بالنسبة إلى كليهما وخاصة في حالة توفر الظروف المثيرة للشهوة ،إذ الانفعال في هذه اللحظة يتساوى فيه الجميع،بل إن الرجل قد يكون أسرع للوقوع في شباك الغريزة العمياء،نظرا لأنه يمثل العنصر الإيجابي الفاعل والمندفع بالنسبة إلى المرأة التي هي بمثابة الجانب السلبي المنفعل في العلاقات الجنسية.
لهذا فقد غلط من رأى أن الوفاء في قمع الشهوات في الرجال دون النساء “بل الرجال والنساء في الجنوح إلى هذين الشيئين سواء،وما رجل عرضت له امرأة جميلة بالحب وطال ذلك ولم يكن ثم من مانع إلا وقع في شرك الشيطان واستهوته المعاصي واستفزه الحرص و تغوله الطمع ،وما امرأة دعاها رجل بمثل هذه الحالة إلا وأمكنته حتما مقضيا وحكما نافذا لا محيد عنه ألبتة”.
ذلك لأن تكشف الرجل للمرأة أو العكس قد يحدث انفعالا لكليهما، ربما يذهب بقوة العقل والتحكم في الخيال مما سيدعو كلا الجنسين إلى إصدار حركات لاإرادية ومنبعثة من أقصى الحياة الباطنية للإنسان.
فليست توجد امرأة – كما يرى ابن حزم- تشعر بأن رجلا يراها أو يسمع حسها إلا و”أحدثت حركة فاضلة كانت عنها بمعزل وأتت بكلام زائد كانت عنه في غنية مخالفين لكلامها قبل ذلك،ورأيت التهمم لمخارج لفظها وهيئة تقبلها لائحا فيها ظاهرا عليها لا خفاء به،والرجال كذلك إذا أحسوا بالنساء”.
“وأما إظهار الزينة وترتيب المشي وإيقاع المزاح عند خطور المرأة بالرجل واجتياز الرجل بالمرأة فهذا أشهر من الشمس في كل مكان،والله عز وجل يقول :”قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم”،وقال تقدست أسماؤه”ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن”.
فلولا علم الله عز وجل برقة إغماضهن في السعي لإيصال حبهن إلى القلوب ولطف كيدهن في التحيل لاستجلاب الهوى لما كشف الله عز وجل عن هذا المعنى البعيد الغامض الذي ليس وراءه مرمى،وهذا حد التعرض فكيف بما دونه”.
هكذا كما عهدناه في كل طرح إلا ويجمع بين النص الديني وبين الملاحظة والتجربة،في منهجية ذات آفاق واسعة وهادفة لإثبات مذهبه في تحليل نفسية المرأة وصورها الاجتماعية.
بحيث إن جل أفكاره في الموضوع لو تتبعناها لوجدنا أنها تستند على آية أو حديث في تقرير فكرة من تلك التي سطرها في مؤلفاته.لكن يبقى هل نتفق معه في كل تفسيراته أم نختلف معه في بعضها ،فهذا التوقف وارد لا شك فيه ،غير أنه يمثل مادة معرفية وفكرية دقيقة وجادة تحتاج إلى تمهل وتجديد .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock