أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

الإدارة والقانون، الأموال والأفكار، الرجال والأعمال

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

الجيلالي شبيه، دكتور في المالية والقانون، ومؤهل للبحث والتأطير بجامعة باريس، وحاصل على دكتوراه الدولة في العلوم المالية والقانونية بجامعة القاضي عياض، مراكش
أولا: ثنائية الفعل والقانون
Ex-facto oritur jus, le droit naît du fait. Cette dualité, matérialité et normalité, remonte au droit romain, il y a plus de 2400 ans.
يرجع عهد هذه الثنائية إلى القانون الروماني منذ أزيد من 2400 سنة، سواء كانت هذه الثنائية قانونية أو غير قانونية، شرعية أو غير شرعية، اقتصادية-مالية أو اجتماعية-ثقافية· لأن الفعل يولد القانون والقانون ينتج عن الفعل· نتناول الفعل هنا بمفهوم الحدث، أو الأمر، أو النهي، أو التسجيل والتقييد، أو الملاحظة، أو المعاينة، أو طرق العنف، أو الخطأ المادي· ونقصد بالقانون القاعدة الاجتماعية، بأبعادها التاريخية والجغرافية والدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية، بما فيها التدبيرية والمالية والنقدية؛ أو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات الاجتماعية·
إن جميع الأنشطة القانونية ترتبط أشد الارتباط بأفعال وأعمال واقعية، والإشكالات القانونية تتولد عن الوقائع والأحداث والنوازل· وانطلاقا من هذا المنظور نلاحظ أنه ليست هناك قطيعة بين فروع القانون بقدر ما نلاحظ استمرارية أكيدة، فقط· إذن تحديد الوقائع والنوازل والأحداث وتكييفها قانونا هو دليل قاطع على أن القانون والقواعد القانونية ليست سوى نتائج وعواقب لهذه الأفعال والأعمال· والنظرة الفلسفية الماركسية التي تميز بين البنية التحتية (الاقتصاد والاجتماع) والبنية الفوقية (الإيديولوجيا والمؤسسات والقانون)، أو الفصل بين وسائل الإنتاج وأنماط الإنتاج من جهة، وبين الإيديولوجيات والمؤسسات والقانون من جهة أخرى، يعكس لنا جيدا هذه الثنائية، ومواصلة البحث والتحليل في نفس الاتجاه، وإن كانت هذه الثنائية تحدد العديد من الوقائع والمفاهيم، إلا أنها غير كافية وليست الوحيدة من حيث الزاوية العلمية، بل هناك زوايا متعددة ومختلفة لتفسير الواقع الاجتماعي والاقتصادي·
On entend le fait au sens d’évènements, d’activités factuelles, et le droit au sens de norme sociale, d’activités juridiques ou normatives. La matérialité, question de fait, et la normalité, question de droit, l’interaction est inéluctable, et l’appréciation des faits, détermine l’appréciation du droit sur ces faits. Aussi, finalement, le droit n’est que la conséquence des faits ; rappelez-vous l’analyse marxiste et la distinction entre l’infrastructure et la superstructure, et que celle-ci n’est que le prolongement ou plutôt la conséquence de celle-là.
يقصد بالبنية التحتية كل ما هو اقتصادي، كل ما هو مالي، كل ما هو اجتماعي، كل ما هو بيئي، ناهيك عن الثقل التاريخي والمجال الجغرافي والظرفية السياسية· أما البنية الفوقية فتشمل النظام المؤسساتي والايديولوجيا والقانون والإدارة والعدالة والقضاء، بمفهومهم المؤسساتي والإيديولوجي· أضيف أن العلاقة بين البنيتين ثابتة والتفاعل بينهما أكيد وحتمي·
ثانيا: الاقتصاد والمال والقانون
إذن من خلال هذه المقاربة النوعية والشمولية في نفس الوقت، بمعنى شغل الحقل المعرفي الذي نحاول الآن فهمه، نتناول بالدراسة والتحليل العلاقة الوطيدة التي تجمع بين كل من الاقتصاد والمالية والنقد والقانون، بين العمل الإداري والعمل المالي، بين القرار الإداري والقرار المالي، بين العقد الإداري والعقد المالي···ودور الأموال وأهميتها في حياة كل المنظمات، سواء أكانت هذه المنظمات أسر، أو مقاولات، أو إدارات، أو جمعيات، أو نقابات، أو أحزاب سياسية، أو علاقات خارجية بين الدول والمنظمات·
إن المال والأموال ورؤوس الأموال والمربوطين بالحبال واقتصاد الاتصال، الكل مال، الكل اقتصاد، والاقتصاد مال، والباقي قواعد إجرائية، قانونية إدارية، لهذه الأغراض المالية· لأن الاقتصاد في مدلوله الواسع، أي بما فيه الجانب التدبيري، هو العلم الذي يهتم بالثروة وندرتها لإشباع الحاجيات الاجتماعية من خلال الإنتاج والاستهلاك والمبادلات والتوزيع وإحداث وتنظيم وسير الوحدات الاقتصادية الساهرة عليها، وكل هذه الأنشطة والعمليات وتدبيرها هي حقائق مالية واضحة ومضبوطة·
فالقطاع الفلاحي يتضمن الفلاحة والزراعة وتربية المواشي والمناجم والغابات والخشب والصيد البحري والصيد في الأنهار، مثل الأنهار الكبرى في العالم : في برازيليا وفي مصر وفي الصين وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفي سيبيريا الشرقية وفي الكونغو وفي روسيا وغيرها كثير··· جميع هذه الأنشطة الاقتصادية تنبني على المال ورؤوس الأموال للإنتاج والاستغلال والاستثمار والتوزيع والاستهلاك· أما الأوجه القانونية فهي تدخل في هذا الإطار على شكل ضوابط وقواعد إجرائية·
والقطاع الصناعي يشمل الصناعة الثقيلة والخفيفة، والصناعة المنجمية والتحويلية، والصناعة التقليدية والزراعية، كل هذه الأنشطة ترتكز على المال وعلى رؤوس الأموال، أي على اليد العاملة وعلى دخول العمال وعلى ثروة المستثمر أو رأسمال المقاول· وما القانون إلا مجموعة القواعد التي تنظم هذه الأنشطة الصناعية بمختلف أنواعها·
وقطاع الخدمات يشتمل على كل الأنشطة التي تتعلق بالتجارة والإدارة والأبناك ومؤسسات الائتمان وإعادة الائتمان والبورصة والنقل والصحة والتربية والتعليم والخدمات لفائدة الأسر والشركات وكل ما يدخل في باب الأنشطة المالية والعقارية···كل هذه العمليات والمبادلات والمصالح أساسها مالي أو تحتاج إلى أموال ورؤوس أموال، سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة· لكن تدخل القانون في هذا الإطار يظل ضروريا ولا بد منه لتأطير وتوجيه وترشيد هذه العمليات والخدمات·
وقطاع التكنولوجيا والمعلوميات والاتصالات يضم جميع أنواع الرقمنة والاقتصاد الرقمي والابتكار وكذا الاقتصاد الفكري والمعرفي الإعلامي والمعلوماتي، وكل ما يتعلق بالوسائل التكنولوجية المادية أو الفكرية كشبكة الأنترنيت والشبكات الاجتماعية والحواسب والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية···كل هذه الوسائل والأنشطة الرقمية والمعلوماتية تتطلب لسير وتسيير وتدبير عملياتها وتنميتها موارد مالية هائلة للاستثمار والابتكار والتحيين والبحث في سائر المجالات الاجتماعية والاقتصادية اليومية المرتبطة بها· كل هذه المعطيات الاقتصادية الرقمية، كل هذه الحقائق الاجتماعية مال وأموال ورؤوس الأموال، وما القوانين مهما كانت دقتها وتشعبها وتطورها فدورها يكمن في السهر على حسن سير هذه المعاملات الاقتصادية الرقمية·
ثالثا: الأعمال والمعاملات المالية، والقرارات والعقود
وإذا أخذنا مثلا الأعمال المالية فهي في نفس الوقت مالية بمضمونها وإدارية بإجراءاتها، أنظر الفصول 2 و6 مكرر و26 من قانون الوظيفة العمومية، الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958 كما تم تعديله وتتميمه، والفصل 224 من القانون الجنائي الصادر بتاريخ 26 نونبر 1962 كما تم تعديله وتتميمه، الذي يعطي للموظف مفهوما أوسع مما ينص عليه النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية·
فعقود التوظيف والتعاقد والتأجير، سواء داخل القانون العام أم القانون الخاص، فهي عقود محتواها مالي وصيغتها إدارية، راجع الفصلين 2 و6 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، سالف الذكر، والفصل 270 من قانون المسطرة المدنية الصادر بتاريخ 30 شتنبر 1974 كما تم تعديله وتتميمه ج· ر· عدد 3230 مكرر·
التأجير التمويلي هو عقد إجارة أو عقد تمويل بين المؤجر والمستأجر لأصول استثمارية منتهية بالتمليك مقابل دفعات مالية دورية خلال فترة زمنية· أما التأجير التشغيلي فهو كذلك عقد، لكن دون نقل الملكية، فقط تأجير الآلات والمعدات للغير لفترة معينة من الزمن· والإجارة أو الإيجار هو كذلك عقد يخول بمقتضاه حق استغلال ملكية، سكن، محل تجاري أو قطعة أرض، مقابل مبلغ مالي ولمدة محددة· والإجارة كما حددها قانون الإلتزامات التعاقدية وغير التعاقدية الفصل 626، نوعان: “إجارة الأشياء وهي الكراء، والإجارة الأشخاص أو العمل”· وجميع هذه العقود هي عقود مالية، سواء تعلق الأمر بعقود كراء المباني أو عقود الكراء الفلاحية، بعقود إجارة الصنعة أو إجارة الخدمة أو العمل (الفصول من 635 إلى 780 من قانون الإلتزامات (والعقود)، كما تم تحيينه بتاريخ 26 غشت 2019)·
ونلاحظ نفس الشيء بالنسبة للملكية العقارية، فمضمونها مالي وشكلها قواعد إجرائية، بحيث نجد أن جميع مكونات الملكية العقارية، سواء تعلق الأمر بحق الارتفاق أو حق الانتفاع، بالرهن العقاري أو الأملاك المخزنية بأهلية الدولة للإرث أو الملكية المشتركة، بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة أو بسبب ديون عمومية، أو خاصة بحجز العقارات أو حجز الأصول التجارية، بعقود الأشغال العمومية أو عقود الهبات وقرارات الوصايا، كل هذه المعطيات المتعلقة بالملكية العقارية، سواء كانت على شكل عقود أو قرارات فمضمونها مالي وشكلها قواعد إجرائية مالية وإدارية· راجع في هذا الشأن قانون الإلتزامات من الفصول 1170 إلى 1246، قانون المسطرة المدنية الفصل 267، القانون رقم 00·18 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، مدونة تحصيل الديون العمومية، المادتين 67 و68 بشأن حجز العقارات والأصول التجارية وبيعها، المدونة المدنية الفرنسية، العقود والالتزامات التعاقدية بصفة عامة، الفصول من 1102 إلى 1369·
رابعا: الإلتزامات والأسباب، والإلتزامات غير التعاقدية وآثارها المالية
ينص الفصل 57 من قانون الإلتزامات والعقود: “الأشياء والأفعال والحقوق المعنوية الداخلة في دائرة التعامل تصلح وحدها لأن تكون محلا للالتزام، ويدخل في دائرة التعامل جميع الأشياء التي لا يحرم القانون صراحتا التعامل بشأنها”· وإذا أضفنا الفصول 58 و59 و60 و61 من نفس القانون نستطيع القول أن مضامينها كلها لها قيمة مالية أو آثار مالية، سواء تعلق الأمر بالأشياء أو الأفعال أو الحقوق أو التعويض عند استحالة محل الإلتزام أو عدم جواز التنازل على تركة بالنسبة لإنسان على قيد الحياة· لكن لا بد من الأخذ، في هذا الصدد، بعين الاعتبار أدلة بعض القواعد الفقهية وضرورة التعامل بها مثل الضرورات تبيح المحظورات، ولا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة، مثل التعامل مع البنوك الربوية أو الاقتراض والاستقراض بالربا عند الضرورة· وفي قوله تعالى: “وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه” سورة الأنعام، الآية 119، وجاء في سورة الحج الآية 78: “وما جعل عليكم في الدين من حرج”· وتقول القاعدة الفقهية، كما ورد في مجموع الفتاوى لابن تيمية (1263 -1328)، “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”، مثل ما جاء في آية الميراث سورة النساء الآية 176 بشأن جابر بنعبد الله، حالة الكلالة، فالآية تعم كيفية تقسيم الإرث لمن مات وترك إرثا وليس له والد ولا ولد، سوى أخوات وإخوة·
ويضيف الفصل 62 من نفس القانون: “الإلتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن· يكون السبب، يواصل نفس الفصل، غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو للنظام العام أو للقانون”· والإلتزامات والأسباب ذات الأساس المالي المخالفة للأخلاق الحميدة أو للنظام العام أو للقانون، عديدة ولا تحصى، مثل المقامرة والمراهنة (عقود الغرر) والسرقة والاختلاس والاحتيال والتطاول على أملاك الغير والرشوة والغش الضريبي والتملص من الضريبة وتهريب الأموال والاحتكار وغسل أو تبييض الأموال····
أما الإلتزامات الناشئة عن أشباه العقود والمتضمنة في الفصول، من 66 إلى 76، من قانون الإلتزامات (والعقود)، أو في الفصول من 1371 إلى 1381 من المدونة المدنية الفرنسية، بشأن الإلتزامات الناشئة من غير اتفاقات، (الفصل 1370)، وبالضبط أشباه العقود، فهي كذلك مضمونها مالي وتنظيمها إداري، ويتعلق الأمر بالإثراء بدون سبب، وبغير حق، وإلزامية استرداد ما دفع لمن أثرى على حسابه، أو تعويض هذا النفع (شيء، قيمة، مال، ثمار···) الغير المشروع، في حالة استهلاكه عن حسن نية· ونفس الشيء بالنسبة للإلتزامات الناشئة عن الجرائم وأشباه الجرائم، المتضمنة في قانون الإلتزامات، الفصول من 77 إلى 106، أو في الفصول من 1382 إلى 1396، من المدونة المدنية الفرنسية، بشأن الإلتزامات الناشئة بدون اتفاقات، (الفصل 1370)، وبالضبط الجنح (أو الجرائم) وأشباه الجنح (أو الجرائم)، فهي كذلك مضمونها مالي وتنظيمها إداري· ويتعلق الأمر بمسؤولية الأشخاص (الطبيعية أو المعنوية، العامة أو خاصة) مسؤولية مدنية، إدارية أو جنائية، عن الأضرار المادية والمعنوية التي نسبت بحق إلى هؤلاء الأشخاص، لا بفعلهم أو بخطئهم فقط، ولكن بفعل الأشخاص الذين تحت مسؤوليتهم أو الحيوانات أو الأشياء التي في ذمتهم، وإلزاميتهم بتعويض هاته الأضرار· يتم التعويض القضائي عن الأضرار التي تصيب الشخص في جسده أو في عواطفه وشعوره ومصالحه الأدبية أو في ذمته المالية، وعن كل خسارة لحقت به أو ما فاته من كسب·
خامسا: الإلتزامات التعاقدية والأموال الناشئة عن هذه الإلتزامات
يتعلق الأمر هنا بجميع أنواع الأموال الناتجة عن الإلتزامات التعاقدية مثل البيع والشراء والكراء أو الايجار والمبادلة أو المعاوضة والوديعة والعارية أو الإعارة والمقايضة وعقود الإجارة (إجارة أشياء، عقارات أو خدمات)، والصلح على المنافع المالية، والكفالة، وتأسيس الشركات، كيفما كان نوعها (المساهمة، التضامن، التوصية، المحاصة أو المسؤولية···)، والامتثال القانوني والمالي، والاقرارات الضريبية، والحسابات المالية والتزامات العمل، أو التحصيل الجبري، وأوامر الصرف والأداء، كل هذه العمليات والوحدات الاقتصادية التي تقوم بها أساسها مالي والإجراءات إدارية (قانون الإلتزامات والعقود، الفصول 478 إلى 1169، المدونة المدنية الفرنسية، الفصول 1582 إلى 2091)·

ونفس الشيء بالنسبة للإقراض والاقتراض والاستقراض، والائتمان والوساطة المالية والعقود المالية والحجز العقاري والودائع واستحقاق الإيرادات وجزاءات تأخير الأداء والغش الضريبي والحوالة والكفالة والوكالة والتفويض والصفقات التجارية وصفقات الأشغال العمومية والتوريدات والخدمات···كل هذه الأنشطة المضمنة في عقود أو في قرارات، أساسها مالي وإجراءاتها إدارية داخل الإدارات· كذلك الأمر بالنسبة للإنفاق وإنفاق التقاضي والرهن الحيازي والتحكيم والوساطة الاتفاقية (ق.م.م. الفصول من 306 إلى -327- 70) وامتيازات الخزينة أو الإدارة، في كل ما يتعلق بالديون العمومية، وحجز السفن والعقارات والأصول التجارية والغرامات والعقوبات المالية في حالة افتعال العسر (مدونة تحصيل الديون العمومية، القانون رقم 97-15) ···كل هذه العمليات مضمونها مالي، وصيغها مالية، وحتى الإجراءات ذاتها مالية، وتجرى داخل الإدارة، سواء الإدارة الضريبية أو الخزينة العامة أو المحاكم· لأن المحاكم نفسها كيف ما كانت طبيعتها (مدنية، إدارية، جنائية، تجارية···) قضاء وإدارة· وإذا نظرنا كذلك إلى الجانب المتعلق بالتزامات الأغيار المسؤولين أو المتضامنين، كالتزامات المودع لديهم والأغيار الحائزين، كل هذه الإلتزامات، قرارات كانت أم عقود، أصلها مالي ومساطرها إدارية، وإن كان مضمون هذه المساطر والإجراءات نفسه مالي· وكذلك الأمر بالنسبة لعمليات الإيداع والحيازة وتصفية الشركات وقسمة الإرث وتوزيع التركة والتنفيذ الجبري وحجز المنقولات والحجز التحفظي والحجز التنفيذي والحجز الإرتهاني والحجز لدى الغير والحجز الاستحقاقي والتوزيع بالمحاصة··· كل هذه الحقائق والمعطيات، قرارات وعقود، وفي كل القطاعات، أصلها مالي وقواعدها الإجرائية إدارية، وإن كانت الإجراءات نفسها مضمونها مالي (المسطرة المدنية، الفصول 411 إلى 510)·
سادسا: المالية والميزانية وقانون المالية والمالية العمومية
إن فرض الضريبة بجميع أنواعها قرارات مالية لا رجعة فيها· ومن الثابت كذلك أن الاقتراضات، الداخلية والخارجية، عقود مالية وقواعد إجرائية إدارية ومالية كذلك، داخل المؤسسات المالية، والإدارات العمومية والخزينة العامة· وإذا اعتبرنا تفويت مساهمات الدولة أو الجماعات الترابية، والمؤسسات العمومية وشبه العمومية، والاستغلالات وعائدات أملاك الدولة والجماعات الترابية، فكلها عقود مالية وقواعد إجرائية مالية داخل الادارة· أما الهبات فأكيد تعتبر عقودا مالية، والوصايا قرارات مالية، سواء كانت على شكل أموال نقدية، أو منقولات، وعقارات أو حسابات بنكية· ونفس الشيء بالنسبة للاستثمارات، والنفقات والتكاليف، كارتباط الموظفين والأعوان والمتعاقدين بالإدارة، واقتناء المعدات والآلات والتجهيزات، والإمدادات والإعانات، إلى غير ذلك من الأنشطة الحكومية والإدارية، كلها عقود وقرارات واتفاقات مضمونها مالي وقواعدها الإجرائية مالية وإدارية، راجع الميزانيات السنوية للدولة وللجماعات الترابية وحسابات المؤسسات العمومية وشبه العمومية، والقوانين المالية السنوية، والمدونة العامة للضرائب الصادرة سنويا·

وحسب الفصل 1134 من المدونة المدنية الفرنسية: “الاتفاقات المعقودة، (المالية في هذه الحالة)، على الوجه المشروع تقوم مقام القانون في حق عاقديها”، ويعبر الفقه الإسلامي، منذ القرن 9 إلى القرن 14 ميلادي، وما بعده، أنظر خاصة كتاب مجموع الفتاوى لإبن تيمية (1263-1328 ) على هذا النوع من الاتفاق القانوني ب”العقد شريعة المتعاقدين”، وإن كانت هذه القاعدة ليست على إطلاقها، إلا ما جاء في حدود مقاصد الشريعة، وبالتالي ليس نص قاعدة فقهية قطعية، لأن كل ما لم يثبت بيقين يمكن دحضه، وكل ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين· ومقاصد الشريعة الإسلامية تتضمن حتما، زيادة على احترام القاعدة القانونية، مبدأ حسن النية والتحلي بالأخلاق الحميدة، في كل المعاملات الاجتماعية والعمليات التجارية والمالية والاقتصادية·

Selon l’art. 1134 du code civil français, « Les conventions légalement formées tiennent lieu de loi à ceux qui les ont faites. Elles ne peuvent être révoquées que de leur consentement mutuel, ou pour les causes que la loi autorise. Elles doivent être de bonne foi ».
وحسب الفصل 230 من قانون الإلتزامات والعقود “الإلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون”· ويضيف الفصل 231 من نفس القانون “كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية· وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الإلتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته”· وفي كل هذه الإلتزامات، لا بد من وجود ركن أساسي، ذا أصل مالي في كل الحالات تقريبا، لصحة الإلتزام ألا وهو، كما حدده الفصل 2 من ق. ل. ع. “شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام”· الجيلالي شبيه، دكتور في المالية والقانون، ومؤهل للبحث والتدريس والتأطير بجامعة باريس، وحاصل على دكتوراه الدولة في العلوم المالية والقانونية بجامعة القاضي عياض·

الإدارة والقانون، الأموال والأفكار، الرجال والأعمال
الجيلالي شبيه، دكتور في المالية والقانون، ومؤهل للبحث والتأطير بجامعة باريس، وحاصل على دكتوراه الدولة في العلوم المالية والقانونية بجامعة القاضي عياض، مراكش
أولا: ثنائية الفعل والقانون
Ex-facto oritur jus, le droit naît du fait. Cette dualité, matérialité et normalité, remonte au droit romain, il y a plus de 2400 ans.
يرجع عهد هذه الثنائية إلى القانون الروماني منذ أزيد من 2400 سنة، سواء كانت هذه الثنائية قانونية أو غير قانونية، شرعية أو غير شرعية، اقتصادية-مالية أو اجتماعية-ثقافية· لأن الفعل يولد القانون والقانون ينتج عن الفعل· نتناول الفعل هنا بمفهوم الحدث، أو الأمر، أو النهي، أو التسجيل والتقييد، أو الملاحظة، أو المعاينة، أو طرق العنف، أو الخطأ المادي· ونقصد بالقانون القاعدة الاجتماعية، بأبعادها التاريخية والجغرافية والدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية، بما فيها التدبيرية والمالية والنقدية؛ أو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات الاجتماعية·
إن جميع الأنشطة القانونية ترتبط أشد الارتباط بأفعال وأعمال واقعية، والإشكالات القانونية تتولد عن الوقائع والأحداث والنوازل· وانطلاقا من هذا المنظور نلاحظ أنه ليست هناك قطيعة بين فروع القانون بقدر ما نلاحظ استمرارية أكيدة، فقط· إذن تحديد الوقائع والنوازل والأحداث وتكييفها قانونا هو دليل قاطع على أن القانون والقواعد القانونية ليست سوى نتائج وعواقب لهذه الأفعال والأعمال· والنظرة الفلسفية الماركسية التي تميز بين البنية التحتية (الاقتصاد والاجتماع) والبنية الفوقية (الإيديولوجيا والمؤسسات والقانون)، أو الفصل بين وسائل الإنتاج وأنماط الإنتاج من جهة، وبين الإيديولوجيات والمؤسسات والقانون من جهة أخرى، يعكس لنا جيدا هذه الثنائية، ومواصلة البحث والتحليل في نفس الاتجاه، وإن كانت هذه الثنائية تحدد العديد من الوقائع والمفاهيم، إلا أنها غير كافية وليست الوحيدة من حيث الزاوية العلمية، بل هناك زوايا متعددة ومختلفة لتفسير الواقع الاجتماعي والاقتصادي·
On entend le fait au sens d’évènements, d’activités factuelles, et le droit au sens de norme sociale, d’activités juridiques ou normatives. La matérialité, question de fait, et la normalité, question de droit, l’interaction est inéluctable, et l’appréciation des faits, détermine l’appréciation du droit sur ces faits. Aussi, finalement, le droit n’est que la conséquence des faits ; rappelez-vous l’analyse marxiste et la distinction entre l’infrastructure et la superstructure, et que celle-ci n’est que le prolongement ou plutôt la conséquence de celle-là.
يقصد بالبنية التحتية كل ما هو اقتصادي، كل ما هو مالي، كل ما هو اجتماعي، كل ما هو بيئي، ناهيك عن الثقل التاريخي والمجال الجغرافي والظرفية السياسية· أما البنية الفوقية فتشمل النظام المؤسساتي والايديولوجيا والقانون والإدارة والعدالة والقضاء، بمفهومهم المؤسساتي والإيديولوجي· أضيف أن العلاقة بين البنيتين ثابتة والتفاعل بينهما أكيد وحتمي·
ثانيا: الاقتصاد والمال والقانون
إذن من خلال هذه المقاربة النوعية والشمولية في نفس الوقت، بمعنى شغل الحقل المعرفي الذي نحاول الآن فهمه، نتناول بالدراسة والتحليل العلاقة الوطيدة التي تجمع بين كل من الاقتصاد والمالية والنقد والقانون، بين العمل الإداري والعمل المالي، بين القرار الإداري والقرار المالي، بين العقد الإداري والعقد المالي···ودور الأموال وأهميتها في حياة كل المنظمات، سواء أكانت هذه المنظمات أسر، أو مقاولات، أو إدارات، أو جمعيات، أو نقابات، أو أحزاب سياسية، أو علاقات خارجية بين الدول والمنظمات·
إن المال والأموال ورؤوس الأموال والمربوطين بالحبال واقتصاد الاتصال، الكل مال، الكل اقتصاد، والاقتصاد مال، والباقي قواعد إجرائية، قانونية إدارية، لهذه الأغراض المالية· لأن الاقتصاد في مدلوله الواسع، أي بما فيه الجانب التدبيري، هو العلم الذي يهتم بالثروة وندرتها لإشباع الحاجيات الاجتماعية من خلال الإنتاج والاستهلاك والمبادلات والتوزيع وإحداث وتنظيم وسير الوحدات الاقتصادية الساهرة عليها، وكل هذه الأنشطة والعمليات وتدبيرها هي حقائق مالية واضحة ومضبوطة·
فالقطاع الفلاحي يتضمن الفلاحة والزراعة وتربية المواشي والمناجم والغابات والخشب والصيد البحري والصيد في الأنهار، مثل الأنهار الكبرى في العالم : في برازيليا وفي مصر وفي الصين وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفي سيبيريا الشرقية وفي الكونغو وفي روسيا وغيرها كثير··· جميع هذه الأنشطة الاقتصادية تنبني على المال ورؤوس الأموال للإنتاج والاستغلال والاستثمار والتوزيع والاستهلاك· أما الأوجه القانونية فهي تدخل في هذا الإطار على شكل ضوابط وقواعد إجرائية·
والقطاع الصناعي يشمل الصناعة الثقيلة والخفيفة، والصناعة المنجمية والتحويلية، والصناعة التقليدية والزراعية، كل هذه الأنشطة ترتكز على المال وعلى رؤوس الأموال، أي على اليد العاملة وعلى دخول العمال وعلى ثروة المستثمر أو رأسمال المقاول· وما القانون إلا مجموعة القواعد التي تنظم هذه الأنشطة الصناعية بمختلف أنواعها·
وقطاع الخدمات يشتمل على كل الأنشطة التي تتعلق بالتجارة والإدارة والأبناك ومؤسسات الائتمان وإعادة الائتمان والبورصة والنقل والصحة والتربية والتعليم والخدمات لفائدة الأسر والشركات وكل ما يدخل في باب الأنشطة المالية والعقارية···كل هذه العمليات والمبادلات والمصالح أساسها مالي أو تحتاج إلى أموال ورؤوس أموال، سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة· لكن تدخل القانون في هذا الإطار يظل ضروريا ولا بد منه لتأطير وتوجيه وترشيد هذه العمليات والخدمات·
وقطاع التكنولوجيا والمعلوميات والاتصالات يضم جميع أنواع الرقمنة والاقتصاد الرقمي والابتكار وكذا الاقتصاد الفكري والمعرفي الإعلامي والمعلوماتي، وكل ما يتعلق بالوسائل التكنولوجية المادية أو الفكرية كشبكة الأنترنيت والشبكات الاجتماعية والحواسب والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية···كل هذه الوسائل والأنشطة الرقمية والمعلوماتية تتطلب لسير وتسيير وتدبير عملياتها وتنميتها موارد مالية هائلة للاستثمار والابتكار والتحيين والبحث في سائر المجالات الاجتماعية والاقتصادية اليومية المرتبطة بها· كل هذه المعطيات الاقتصادية الرقمية، كل هذه الحقائق الاجتماعية مال وأموال ورؤوس الأموال، وما القوانين مهما كانت دقتها وتشعبها وتطورها فدورها يكمن في السهر على حسن سير هذه المعاملات الاقتصادية الرقمية·
ثالثا: الأعمال والمعاملات المالية، والقرارات والعقود
وإذا أخذنا مثلا الأعمال المالية فهي في نفس الوقت مالية بمضمونها وإدارية بإجراءاتها، أنظر الفصول 2 و6 مكرر و26 من قانون الوظيفة العمومية، الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958 كما تم تعديله وتتميمه، والفصل 224 من القانون الجنائي الصادر بتاريخ 26 نونبر 1962 كما تم تعديله وتتميمه، الذي يعطي للموظف مفهوما أوسع مما ينص عليه النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية·
فعقود التوظيف والتعاقد والتأجير، سواء داخل القانون العام أم القانون الخاص، فهي عقود محتواها مالي وصيغتها إدارية، راجع الفصلين 2 و6 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، سالف الذكر، والفصل 270 من قانون المسطرة المدنية الصادر بتاريخ 30 شتنبر 1974 كما تم تعديله وتتميمه ج· ر· عدد 3230 مكرر·
التأجير التمويلي هو عقد إجارة أو عقد تمويل بين المؤجر والمستأجر لأصول استثمارية منتهية بالتمليك مقابل دفعات مالية دورية خلال فترة زمنية· أما التأجير التشغيلي فهو كذلك عقد، لكن دون نقل الملكية، فقط تأجير الآلات والمعدات للغير لفترة معينة من الزمن· والإجارة أو الإيجار هو كذلك عقد يخول بمقتضاه حق استغلال ملكية، سكن، محل تجاري أو قطعة أرض، مقابل مبلغ مالي ولمدة محددة· والإجارة كما حددها قانون الإلتزامات التعاقدية وغير التعاقدية الفصل 626، نوعان: “إجارة الأشياء وهي الكراء، والإجارة الأشخاص أو العمل”· وجميع هذه العقود هي عقود مالية، سواء تعلق الأمر بعقود كراء المباني أو عقود الكراء الفلاحية، بعقود إجارة الصنعة أو إجارة الخدمة أو العمل (الفصول من 635 إلى 780 من قانون الإلتزامات (والعقود)، كما تم تحيينه بتاريخ 26 غشت 2019)·
ونلاحظ نفس الشيء بالنسبة للملكية العقارية، فمضمونها مالي وشكلها قواعد إجرائية، بحيث نجد أن جميع مكونات الملكية العقارية، سواء تعلق الأمر بحق الارتفاق أو حق الانتفاع، بالرهن العقاري أو الأملاك المخزنية بأهلية الدولة للإرث أو الملكية المشتركة، بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة أو بسبب ديون عمومية، أو خاصة بحجز العقارات أو حجز الأصول التجارية، بعقود الأشغال العمومية أو عقود الهبات وقرارات الوصايا، كل هذه المعطيات المتعلقة بالملكية العقارية، سواء كانت على شكل عقود أو قرارات فمضمونها مالي وشكلها قواعد إجرائية مالية وإدارية· راجع في هذا الشأن قانون الإلتزامات من الفصول 1170 إلى 1246، قانون المسطرة المدنية الفصل 267، القانون رقم 00·18 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، مدونة تحصيل الديون العمومية، المادتين 67 و68 بشأن حجز العقارات والأصول التجارية وبيعها، المدونة المدنية الفرنسية، العقود والالتزامات التعاقدية بصفة عامة، الفصول من 1102 إلى 1369·
رابعا: الإلتزامات والأسباب، والإلتزامات غير التعاقدية وآثارها المالية
ينص الفصل 57 من قانون الإلتزامات والعقود: “الأشياء والأفعال والحقوق المعنوية الداخلة في دائرة التعامل تصلح وحدها لأن تكون محلا للالتزام، ويدخل في دائرة التعامل جميع الأشياء التي لا يحرم القانون صراحتا التعامل بشأنها”· وإذا أضفنا الفصول 58 و59 و60 و61 من نفس القانون نستطيع القول أن مضامينها كلها لها قيمة مالية أو آثار مالية، سواء تعلق الأمر بالأشياء أو الأفعال أو الحقوق أو التعويض عند استحالة محل الإلتزام أو عدم جواز التنازل على تركة بالنسبة لإنسان على قيد الحياة· لكن لا بد من الأخذ، في هذا الصدد، بعين الاعتبار أدلة بعض القواعد الفقهية وضرورة التعامل بها مثل الضرورات تبيح المحظورات، ولا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة، مثل التعامل مع البنوك الربوية أو الاقتراض والاستقراض بالربا عند الضرورة· وفي قوله تعالى: “وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه” سورة الأنعام، الآية 119، وجاء في سورة الحج الآية 78: “وما جعل عليكم في الدين من حرج”· وتقول القاعدة الفقهية، كما ورد في مجموع الفتاوى لابن تيمية (1263 -1328)، “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”، مثل ما جاء في آية الميراث سورة النساء الآية 176 بشأن جابر بنعبد الله، حالة الكلالة، فالآية تعم كيفية تقسيم الإرث لمن مات وترك إرثا وليس له والد ولا ولد، سوى أخوات وإخوة·
ويضيف الفصل 62 من نفس القانون: “الإلتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن· يكون السبب، يواصل نفس الفصل، غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو للنظام العام أو للقانون”· والإلتزامات والأسباب ذات الأساس المالي المخالفة للأخلاق الحميدة أو للنظام العام أو للقانون، عديدة ولا تحصى، مثل المقامرة والمراهنة (عقود الغرر) والسرقة والاختلاس والاحتيال والتطاول على أملاك الغير والرشوة والغش الضريبي والتملص من الضريبة وتهريب الأموال والاحتكار وغسل أو تبييض الأموال····
أما الإلتزامات الناشئة عن أشباه العقود والمتضمنة في الفصول، من 66 إلى 76، من قانون الإلتزامات (والعقود)، أو في الفصول من 1371 إلى 1381 من المدونة المدنية الفرنسية، بشأن الإلتزامات الناشئة من غير اتفاقات، (الفصل 1370)، وبالضبط أشباه العقود، فهي كذلك مضمونها مالي وتنظيمها إداري، ويتعلق الأمر بالإثراء بدون سبب، وبغير حق، وإلزامية استرداد ما دفع لمن أثرى على حسابه، أو تعويض هذا النفع (شيء، قيمة، مال، ثمار···) الغير المشروع، في حالة استهلاكه عن حسن نية· ونفس الشيء بالنسبة للإلتزامات الناشئة عن الجرائم وأشباه الجرائم، المتضمنة في قانون الإلتزامات، الفصول من 77 إلى 106، أو في الفصول من 1382 إلى 1396، من المدونة المدنية الفرنسية، بشأن الإلتزامات الناشئة بدون اتفاقات، (الفصل 1370)، وبالضبط الجنح (أو الجرائم) وأشباه الجنح (أو الجرائم)، فهي كذلك مضمونها مالي وتنظيمها إداري· ويتعلق الأمر بمسؤولية الأشخاص (الطبيعية أو المعنوية، العامة أو خاصة) مسؤولية مدنية، إدارية أو جنائية، عن الأضرار المادية والمعنوية التي نسبت بحق إلى هؤلاء الأشخاص، لا بفعلهم أو بخطئهم فقط، ولكن بفعل الأشخاص الذين تحت مسؤوليتهم أو الحيوانات أو الأشياء التي في ذمتهم، وإلزاميتهم بتعويض هاته الأضرار· يتم التعويض القضائي عن الأضرار التي تصيب الشخص في جسده أو في عواطفه وشعوره ومصالحه الأدبية أو في ذمته المالية، وعن كل خسارة لحقت به أو ما فاته من كسب·
خامسا: الإلتزامات التعاقدية والأموال الناشئة عن هذه الإلتزامات
يتعلق الأمر هنا بجميع أنواع الأموال الناتجة عن الإلتزامات التعاقدية مثل البيع والشراء والكراء أو الايجار والمبادلة أو المعاوضة والوديعة والعارية أو الإعارة والمقايضة وعقود الإجارة (إجارة أشياء، عقارات أو خدمات)، والصلح على المنافع المالية، والكفالة، وتأسيس الشركات، كيفما كان نوعها (المساهمة، التضامن، التوصية، المحاصة أو المسؤولية···)، والامتثال القانوني والمالي، والاقرارات الضريبية، والحسابات المالية والتزامات العمل، أو التحصيل الجبري، وأوامر الصرف والأداء، كل هذه العمليات والوحدات الاقتصادية التي تقوم بها أساسها مالي والإجراءات إدارية (قانون الإلتزامات والعقود، الفصول 478 إلى 1169، المدونة المدنية الفرنسية، الفصول 1582 إلى 2091)·

ونفس الشيء بالنسبة للإقراض والاقتراض والاستقراض، والائتمان والوساطة المالية والعقود المالية والحجز العقاري والودائع واستحقاق الإيرادات وجزاءات تأخير الأداء والغش الضريبي والحوالة والكفالة والوكالة والتفويض والصفقات التجارية وصفقات الأشغال العمومية والتوريدات والخدمات···كل هذه الأنشطة المضمنة في عقود أو في قرارات، أساسها مالي وإجراءاتها إدارية داخل الإدارات· كذلك الأمر بالنسبة للإنفاق وإنفاق التقاضي والرهن الحيازي والتحكيم والوساطة الاتفاقية (ق.م.م. الفصول من 306 إلى -327- 70) وامتيازات الخزينة أو الإدارة، في كل ما يتعلق بالديون العمومية، وحجز السفن والعقارات والأصول التجارية والغرامات والعقوبات المالية في حالة افتعال العسر (مدونة تحصيل الديون العمومية، القانون رقم 97-15) ···كل هذه العمليات مضمونها مالي، وصيغها مالية، وحتى الإجراءات ذاتها مالية، وتجرى داخل الإدارة، سواء الإدارة الضريبية أو الخزينة العامة أو المحاكم· لأن المحاكم نفسها كيف ما كانت طبيعتها (مدنية، إدارية، جنائية، تجارية···) قضاء وإدارة· وإذا نظرنا كذلك إلى الجانب المتعلق بالتزامات الأغيار المسؤولين أو المتضامنين، كالتزامات المودع لديهم والأغيار الحائزين، كل هذه الإلتزامات، قرارات كانت أم عقود، أصلها مالي ومساطرها إدارية، وإن كان مضمون هذه المساطر والإجراءات نفسه مالي· وكذلك الأمر بالنسبة لعمليات الإيداع والحيازة وتصفية الشركات وقسمة الإرث وتوزيع التركة والتنفيذ الجبري وحجز المنقولات والحجز التحفظي والحجز التنفيذي والحجز الإرتهاني والحجز لدى الغير والحجز الاستحقاقي والتوزيع بالمحاصة··· كل هذه الحقائق والمعطيات، قرارات وعقود، وفي كل القطاعات، أصلها مالي وقواعدها الإجرائية إدارية، وإن كانت الإجراءات نفسها مضمونها مالي (المسطرة المدنية، الفصول 411 إلى 510)·
سادسا: المالية والميزانية وقانون المالية والمالية العمومية
إن فرض الضريبة بجميع أنواعها قرارات مالية لا رجعة فيها· ومن الثابت كذلك أن الاقتراضات، الداخلية والخارجية، عقود مالية وقواعد إجرائية إدارية ومالية كذلك، داخل المؤسسات المالية، والإدارات العمومية والخزينة العامة· وإذا اعتبرنا تفويت مساهمات الدولة أو الجماعات الترابية، والمؤسسات العمومية وشبه العمومية، والاستغلالات وعائدات أملاك الدولة والجماعات الترابية، فكلها عقود مالية وقواعد إجرائية مالية داخل الادارة· أما الهبات فأكيد تعتبر عقودا مالية، والوصايا قرارات مالية، سواء كانت على شكل أموال نقدية، أو منقولات، وعقارات أو حسابات بنكية· ونفس الشيء بالنسبة للاستثمارات، والنفقات والتكاليف، كارتباط الموظفين والأعوان والمتعاقدين بالإدارة، واقتناء المعدات والآلات والتجهيزات، والإمدادات والإعانات، إلى غير ذلك من الأنشطة الحكومية والإدارية، كلها عقود وقرارات واتفاقات مضمونها مالي وقواعدها الإجرائية مالية وإدارية، راجع الميزانيات السنوية للدولة وللجماعات الترابية وحسابات المؤسسات العمومية وشبه العمومية، والقوانين المالية السنوية، والمدونة العامة للضرائب الصادرة سنويا·

وحسب الفصل 1134 من المدونة المدنية الفرنسية: “الاتفاقات المعقودة، (المالية في هذه الحالة)، على الوجه المشروع تقوم مقام القانون في حق عاقديها”، ويعبر الفقه الإسلامي، منذ القرن 9 إلى القرن 14 ميلادي، وما بعده، أنظر خاصة كتاب مجموع الفتاوى لإبن تيمية (1263-1328 ) على هذا النوع من الاتفاق القانوني ب”العقد شريعة المتعاقدين”، وإن كانت هذه القاعدة ليست على إطلاقها، إلا ما جاء في حدود مقاصد الشريعة، وبالتالي ليس نص قاعدة فقهية قطعية، لأن كل ما لم يثبت بيقين يمكن دحضه، وكل ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين· ومقاصد الشريعة الإسلامية تتضمن حتما، زيادة على احترام القاعدة القانونية، مبدأ حسن النية والتحلي بالأخلاق الحميدة، في كل المعاملات الاجتماعية والعمليات التجارية والمالية والاقتصادية·

Selon l’art. 1134 du code civil français, « Les conventions légalement formées tiennent lieu de loi à ceux qui les ont faites. Elles ne peuvent être révoquées que de leur consentement mutuel, ou pour les causes que la loi autorise. Elles doivent être de bonne foi ».
وحسب الفصل 230 من قانون الإلتزامات والعقود “الإلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون”· ويضيف الفصل 231 من نفس القانون “كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية· وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الإلتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته”· وفي كل هذه الإلتزامات، لا بد من وجود ركن أساسي، ذا أصل مالي في كل الحالات تقريبا، لصحة الإلتزام ألا وهو، كما حدده الفصل 2 من ق. ل. ع. “شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام”· الجيلالي شبيه، دكتور في المالية والقانون، ومؤهل للبحث والتدريس والتأطير بجامعة باريس، وحاصل على دكتوراه الدولة في العلوم المالية والقانونية بجامعة القاضي عياض·

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock