يأكل الفالوذج
محمد شحلال
يروي التاريخ أنه لما كان الإمام أبو حنيفة-رحمه الله-ينشر العلم بين طلابه،توقف بمجلسه ذات يوم غلام يتيم يدعى أبا يوسف، فأعجب الصغير بحلقة العلم هذه،مما جعله يتخلف عن عمله عند الخياط الذي اختارته والدته ليتعلم صنعة فيساعدها على تكاليف الحياة.
كان أجر الفتى زهيدا،ولكنه كان يغطي ثغرة في حاجيات البيت.
لم يكن تأنيب الخياط كافيا لردع العامل الصغير وثنيه عن العودة إلى مجلس العلم،لذلك شكاه لوالدته التي بادرت لزيارة أبي حنيفة ومطالبته بعدم قبول ابنها الذي يعينها على مصاريف البيت،بينما لن يجني فائدة من هذا المجلس !
تفهم الإمام وضعية الأم،لكنه أسر لها بأنه يتوسم في هذا الفتى خيرا كثيرا،وسيكون له شأن في مجال العلم.
عندما أصر الفتى على ارتياد مجلس أبي حنيفة رغم معارضة والدته،قرر الشيخ أن يؤدي أجر الولد مضاعفا مقابل المواظبة على الدروس التي أعجب بها.
نزلت الأم عند رغبة الابن والإمام،فلما عزمت على الانصراف، كشف لها بأن ابنها هذا ،سيأكل الفالوذج !
ترك الفتى دكان الخياط نهائيا وانقطع للتحصيل الذي أبان فيه عن علو كعبه، ذلك أنه ما لبث أن ورث كرسي شيخه ليصبح من كبار العلماء.
انتشر خبر العالم الجديد،فما كان من الخليفة العباسي هارون الرشيد إلا أن عينه قاضيا،حيث أبان عن إلمام كبير بالمعرفة مما أهله ليصبح قاضي القضاة.
أصبح أبو يوسف شخصية مقربة من بلاط هارون الرشيد،لذلك كان على رأس المدعوين في إحدى المناسبات الكبرى.
وهكذا، وإلى جانب أصناف الأطعمة ،فقد كانت حلوى،،الفالوذج،،ذات الأصل الفارسي،تؤثث المائدة،وهي أكلة لا تعرفها العامة،وكانت مناسبة ليحث الخليفة ضيفه المميز على تناولها،مما جعل أبا يوسف تنبسط أساريره ،وهو ما لم يكن معهودا في حضرة الخليفة،لكن الضيف النبيه بادر إلى كشف السر.
لقد أوضح أبو يوسف للخليغة بأنه يشعر بالامتنان لأستاذه أبي حنيفة ،الذي صدقت فراسته حين تنبأ له بأكل الفالوذج وهو لازال غلاما،ولم يسبق له ولا لعموم الناس أن سمعوا عن هذه الأكلة !
لقد احتفظ التاريخ بهذه الواقعة باعتبارها تؤكد صدق فراسة المؤمن،حيث يورد علماء الإسلام بأن المؤمن،، ينظر بنور الله،،فيقولون: اتقوا الله في فراسة المؤمن ،فإنه ينظر بنور الله،وهو ما يعتبره البعض حديثا شريفا،بل إن المعنى مستمد من من قوله عز وجل:(إن في ذلك لآيات للمتوسمين) س الحجر آية 75.
ومعلوم أن التوسم يعني التفرس.
