أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

أطفال وشبان يعيشون على هامش المجتمع ويتعاطون لأنواع عديدة من السموم

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

عبدالقادر كتــرة
كان “يطارد” أحد المارة ويحاول أن يلمسه مادا يده له ويقبل أطراف أصابعه ثم يشير بشاهده إلى السماء كلما دعا وتلفظ باسم “الله”. كان عمر يحاول أن يثير شفقة المارة وكانت رائحة “الديليون” تفوح منه، ثم يقف بعض الوقت، دون ملل ولا كلل، أمام المقاهي في نظرة استعطاف واستجداء ولا يجرؤ أن يقترب من الجالسين مخافة نهره من طرف النادل.
“عمر” شاب في السابعة عشرة من عمره لفظه المجتمع بعد أن هجر أسرته التي تفككت بحكم واقع مرِّ عايشه مع أب سكير وفقير وأم مريضة وعاجزة وإخوة ساروا على درب أبيهم. لم يكن عمر يريد خبزا ولا أكلا بقدر ما كان يبحث عن ثمن قنينة من “الديليون” ليهرب من واقعه ويغيب عن مجتمعه وينسلخ عن جسده. كان بعض المواطنين يلقي بنظرات الشفقة والتأسي على حالة “عمر” المتسخ وكان آخرون يضعون أيدهم على أنوفهم حتى لا تصل رائحة “المادة المخدرة” إلى رئاتهم وقليلون من يمدوا له الدرهم الذي طالب به مقتنعين بوجهته…
أمثال عمر كُثْر ويتراوح عمرهم ما بين ثمان سنوات والأربعين وربما أكثر من ذلك لأن لا أحد شاهد شيخا هرما يتعاطى لذلك لأن لا شك أن هؤلاء لا حظ لهم في تجاوز ذلك فبالأحرى طول العمر. منهم الأطفال ومنهم الشبان المراهقون ومنهم الكبار.لا أحد يمكن له أن يحدد عددهم رغم أنهم الآن أصبحوا يشاهدون في جميع الأماكن وفي مجموعات ولا يبالون بالآخرين بحيث غالبا من يغرقون أنوفهم وأفواههم في قطع من القماش المبللة بسائل “الديليون” ويغيبون…

كان يبدو على أحدهم الوهن وكان السعال يخنق أنفاسه وتحمر لذلك عيناه وتكادا تخرجان من محجريهما، لكن كان يقاوم ويتظاهر بقدرته على المقاومة ويغمس أنفه في قطعة القماش مرشوشة بمادة “الديليون”. أجسادهم نحيلة تسبح في سراويل وأقمشة متسخة وممزقة تحملها أقدام حافية بدأت تغزوها تجاعيد وجراح الشيخوخة…

“إن أي مادة مخدرة تستنشق عن طريق الأنف إلا وتعبر القصبة الهوائية وبعد ذلك تمر في الغشاء الذي يفصل الحصيبات الرئوية مع الأوعية الدموية الصغيرة وبذلك يتم تسرب هذه المادة المخدرة إلى الدم فيحصل ما يحصل من مضاعفات في جميع أنحاء الجسم . وبما أن الجهاز التنفسي هو المدخل الرئيسي لهذه المادة يتأثر كثيرا حيث يسبب التهابات في الجهاز التنفسي مع ضيق في التنفس ( الديليون، الفيرني ، الديسولسيون…)” يقول أحد الإختصاصين في أمراض الجهاز التنفسي وأمراض الحساسية” ثم يضيف “هذا يؤدي إلى ضعف بدني حيث يكون حجم الرئة ضعيف والأنفاس ضعيفة (les débits respiratoires) الأمر الذي يؤدي مضاعفات ينتج عنها وهن قبل الأوان.”

ينادونهم ب”الشمكارة” أو “الشماكرية” وتحولوا إلى جماعة من المنبوذين يؤثثون أركان المدن والأحياء وأبواب المقابر والبنايات المهجورة، لا يهابهم أحد ولكن يعافونهم ويتجنبون المرور بجانهم وحتى النظر إلى واقعهم.ظاهرة غريبة ومأساوية أفرزها واقع مغربي عنيف وظروف اجتماعية قاسية لا ترحم لا الصغير ولا الكبير ، وعَقَّد أوضاعها التجاهل والتهميش والإقصاء واللامبالاة.

ليس هناك مؤسسة خاصة بهذه الحالات الخاصة. إن هؤلاء المدمنون على تعاطي لهذه الأنواع من المخدرات، ليسوا أيتاما أو متخلى عنهم في حاجة لوضعهم في دور الخيرية ولا هم عاجزون لإلحاقهم بدور العجزة ولا هم مجرمون لسجنهم في إصلاحيات…إن هؤلاء مدمنون على مخدر خطير ومن نوع خاص تتطلب علاجا خاصا وكل منهم يعيش حالة نفسية خاصة تستوجب دراسة خاصة وأخصائيين نفسانيين. هؤلاء أقصاهم المجتمع ورمتهم السياسات الحكومية في مزابلها ونبذهم الأهل والأقارب. هؤلاء المنبوذون في حاجة إلى رعاية خاصة ودفء وحنان وتدريس وتكوين وإدماج أي أنهم في حاجة إلى مؤسسة خاصة تعنى بحالاتهم وتسعفهم وتمد لهم يدا تنقدهم من بحر التهمتهم أمواجه…

إن أخطر ما يمكن أن يتعاطى له الإنسان من سموم هو ما يتعاطى له هؤلاء بدءا بالأقراص الطبية لكن في غيابها يسقط هؤلاء في فخ المواد الأكثر سُمُّا ك”الديليون” و”الفيرني” و”السيلسيون” و”أوساخ وزيوت” عوادم السيارات و”السيراج” ومواد أخرى يستعملونها ويجيدون تركيبها هم أعلم بوصفاتها دون التفكير في تأثيراتها على الصحة سواء الجسدية أو الفكرية ويتحول إلى مدمن عليها.

وحسب إحصائيات اختصاصيين فإن مابين 50% و100% من مستهلكي المواد المخدرة المعروفة والمتداولة في جميع انحاء العالم يجدون صعوبة في الاقلاع عنها. هذا بالنسبة لمرضى تحت المراقبة فما بالك بشبابنا الذي يجد أقراص “الريفوتريل” المهلوسة بالأحياء الهامشية وعند أبواب المؤسسات التعليمية من إعداديات وثانويات وجامعات ، وعند فقدانها يتحول أصحابها إلى “السيلسيون والديليون” والكحول؟

“إن العديد من الاضطرابات النفسية والعقلية لها أسباب اجتماعية. أما الأسباب الخطيرة فهي تلك الآتية من المخدرات وخصوصا أقراص “القرقوبي” و”إكستازي” والسموم مثل “السيلسيون والديليون” والكحول، يقول الدكتور عبد المجيد كمي، اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية ومجاز في علاج الإدمان على الخمر والمخدرات، ثم يضيف ” على الجميع أن يساهم في التوعية والتحسيس بخطر هذه الأمراض. ومشكل الصحة العمومية ليس هو الأمراض التي تتوفر على الأدوية كمرض السل وداء السكري ولكن المشكل الخطير بالدرجة الأولى هو الأمراض النفسية والعصبية التي مصدرها البطالة والتفكك الأسري والمخدرات و”الديسولسيون” الذي هو أخبث السموم. وكل هذا سيؤدي إلى إعاقات وعلينا أن نحارب هذه الآفة” .

فماذا ينتظر المجتمع من هؤلاء الأطفال والشبان الذين يتعاطون لجميع أنواع السموم ويعيشون على الأرصفة وتحت الأشجار أمام القمامات وفي المقابر إلى جانب الموتى ويقتاتون من زبال البيوت وبقايا المطاعم؟ ماذا ينتظر من آدميين يعيشون خارج التغطية الاجتماعية بل خارج الحياة في مستوى أقل من أي حيوان ضال؟ ماذا ينتظر من “مواطن” يعيش خارج الوطن ويجهل حتى وجوده كإنسان؟ ماذا ينتظر من أطفال شبوا و”ترعرعوا” على “مقاعد” من الصخور والأحجار واستنشقوا من “العطور” السامة وسط البيوت الخربة أو الأموات بينما أقرانهم على الأرائك والكراسي وبين ذويهم وأهليهم وأساتذتهم وفي غرفهم المكيفة ؟ يعتقد العديد من الأخصائيين أن التعاطي إلى هذه المخدرات هي سلوكات أقرب إلى “طلب النجدة” منها إلى محاولة انتحار أو هروب من واقع مأساوي…

يذكر أن عناصر من المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة وجدة حجزت، اليوم الأربعاء 05 فبراير، 50 ألف قرص هلوسة من مخدر “الإكستازي”، كما ضبطت مبالغ مالية مهمة يشتبه في كونها من عائدات عمليات الاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية.

إجراءات البحث والتحري المنجزة في إطار هذه القضية أسفرت عن توقيف شخص يبلغ من العمر 49 سنة؛ بينما مكنت عمليات التفتيش داخل مسكنه من حجز 50 ألف قرص من مخدر “الإكستازي” وهاتفين محمولين، علاوة على مبلغ مالي بالعملة الوطنية قدره 127.150 درهما، يشتبه في كونه من عائدات هذا النشاط الإجرامي، وفق ما جاء في بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock