أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

هوية المغرب الإفريقية في الكتاب المدرسي ـ اللغة العربية والاجتماعيات ـ الحلقة 3

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

الفيلالي عبد الكريم
باحث من المغرب. وجدة.

_ ثانيا: الاجتماعيات

جاء في “منار الاجتماعيات” السنة الثانية من التعليم الثانوي الإعدادي نص من خطاب الملك محمد السادس موجه لأعضاء مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2003: «وإننا لعلى يقين بأن الوعي بالطابع التعددي لثقافتنا المغربية والوطنية الصادقة والخصال الحميدة التي تتحلّون بها لمن شأن ذلك كله أن يؤهلكم بمساعدتنا بالمشورة السديدة منتظرين منكم أن تسهروا باستمرار على جعل هذه المؤسسة إطارا منفتحا يقوم على الحوار الجادّ واحترام الحق في الاختلاف والعناية الموصولة بمجمل تراثنا الثقافي مع الاستفادة من كل الآراء والمبادرات الهادفة إلى النهوض بالثقافة الأمازيغية وضمان انتشارها وإشعاعها في انسجام تامّ مع صيانة مقوّمات هويّتنا المغربية العريقة الموّحدة حول قيمها المقدّسة والثابتة».
ويعرف المجتمع المغربي تحولات، فالمدن عرفت تزايد عدد السكان بسبب النمو الديموغرافي وبفعل الهجرة من البوادي، وفي هذا تحول من وجود هوية ثقافية محصورة في فضاءات جغرافية محددة المعالم إلى تجمع لهذه الثقافات في حيز صغير هو المدينة.
«فالمدينة المعاصرة تستطيع أن تؤوي سلسلة ضخمة من الشعوب تحتك بأكتاف بعضها بعضا وتشتري مختلف السلع وتُحْدِث أعيادا وموسيقى، مشكلة بذلك فسيفساء، ثقافية مكثفة ومرقشة. وتشكل الكيفية التي ترتبط بها هذه الثقافات فيما بينها عبر المسافة، وإتيانُها بهويات كانت بعيدة سابقا وتجمعُها، عنصرا فاتنا من عناصر الجغرافيات الثقافية المعاصرة. يجب على الجغرافيا الثقافية إذن أن تنظر إلى التراصف المتشظي للأشكال الثقافية والهويات الناتجة عن ذلك. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار كيف أن المدن والدول تحتوي على عدد وافر من الثقافات التي يمكن تسميتها بـ”الثقافات المتفرعة».

بالسنة السادسة من المرحلة الابتدائية يتعرف التلميذ المغربي على موقع بلده داخل إفريقيا، وهي معلومات لا تتجاوز تحديد الموقع، غير أنه حين الحديث عن الدولة المرابطية يتضح للتلميذ الامتداد الجغرافي والتجاري لهذه الدولة داخل القارة الإفريقية.
إن التأثير المتبادل بين الثقافة الأمازيغية والعربية الإفريقية له أكثر من مظهر في الثقافة المغربية، يقول الحسين باتا: «وفي جانب آخر تظهر التأثيرات الصنهاجية في الحِرف التقليدية، إذ أن الأشكال الهندسية والرسومات الموجودة في منتجاتها قد تشي بالشيء الكثير، فيغلب الظن على أن الكثير منها يعود إلى الثقافة الصنهاجية، غير أنه انصهر إلى جانب رموز أخرى أفريقانية وعربية حسانية لتتغير دلالاته السيميولوجية ويصبح مرتبطا بما يسمى حاليا بالثقافة الحسانية، وهنا لابد من إخضاع هذه الأشكال الفنية للمزيد من الدراسات العلمية للوصول إلى نتائج أكثر دقة وأكثر موضوعية بعيدا عن صرف التأويلات التي لا تكون موضوعية في عمومها».

وبالسنة الثانية من التعليم الثانوي الإعدادي “فضاء الاجتماعيات”، النشاط الثالث: “أكتشف فعالية الشعب بالنسبة للدولة المغربية”، فإن الوثيقة رقم: 2. “التنوع الإثني والجنسي والمهني للشعب المغربي” تذكر ضمن “التنوع الإثني” ما يأتي: أمازيغ _ عرب _ آخرون.
فالإثنية السوداء سواء أكانت إفريقية أم غير إفريقية تندرج ضمن الآخرين المجهولين. غير أنه في كتاب “منار الاجتماعيات” ورد ذكر للإثنية الإفريقية السوداء ضمن “خريطة اللهجات وأهم الهجرات البشرية عبر الحقب التاريخية”، فإضافة إلى الأمازيغ والعرب (من هلاليين ومعقليين) والأندلسيين تَمّ ذكر وفود هجرات بشرية من إفريقيا الاستوائية.

ورد في “التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي”:
«فالتاريخ يساهم في التكوين الشخصي للإنسان بتلقينه ذاكرة جماعية تتسع من المجموعة المحلية إلى الأمة ثم العالم، كما يمده بالمعالم الأساسية لفهم العالم، والتنظيم المعقلن للماضي والحاضر..»
وعن الجغرفيا ذكر كتاب التوجيهات ما يأتي: «إن اندراج الجغرافيا في هذا السياق الاجتماعي خيار يرسخ الهوية والمواطنة ويتيح إمكانية التحكم في آليات التنمية المستدامة».

وقد قدمت الوحدة الثامنة: العالم العربي والبعد الجهوي: إفريقيا/آسيا، الهدف الوظيفي للوحدة بما يأتي: «تشخيص العلاقات بين العالم العربي ومحيطه الجهوي في كل من إفريقيا وأسيا. ورصد بعض مظاهر التعاون بينهما، لتحسين مستوى التنمية ومواجهة التحديات المشتركة».
لقد تم التطرق للعالم العربي باعتباره حلقة وصل بين إفريقيا وآسيا، كما تم التأكيد على الروابط الجغرافية والتاريخية والحضارية المشتركة التي تفرض تحديات مشتركة على المستوى الاقتصادي والتنموي والبيئي.
وقد ورد في “الهدف الوظيفي” للوحدة ضمن “الوحدة السابعة”: الاستغلال الإمبريالي للمستعمرات وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية (إفريقيا نموذجا)، ما يأتي:
أهداف التعلم:
– اكتشاف الوضعية العامة لإفريقيا قبل 1880م وتعرف الحركة الاستكشافية لها.
– رصد مختلف الآليات والأجهزة الاستعمارية الأوروبية بإفريقيا بعد مؤتمر برلين.
– دراسة بعض مظاهر الاستغلال الامبريالي بإفريقيا وتفسيرها.
– استنتاج آثار الاستغلال الامبريالي على إفريقيا وردود الفعل الإفريقية».

وفي الوحدة السابعة من “الجديد في التاريخ”، السنة الأولى من سلك البكالوريا. مسلك الآداب والعلوم الإنسانية – مسلك اللغة العربية بالتعليم الأصيل ضمن الهدف الوظيفي للوحدة: رصد مظاهر الاستغلال الامبريالي للمستعمرات وانعكاساته على المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وذلك انطلاقا من نموذج إفريقيا ورد الآتي:
«أهداف التعلمات:
تشخيص مظاهر الاستغلال الامبريالي للمستعمرات بإفريقيا في المجالات الاقتصادية.
استنتاج أثر الاستغلال الامبريالي على البنيات الاقتصادية والاجتماعية في المستعمرات بإفريقيا.
الوعي بالجذور التاريخية للمشاكل التي تعاني منها إفريقيا اليوم».
وهنا كان لابد من التعرض لمأساة الرق وللاستنزاف الديموغرافي الذي تعرضت له القارة الإفريقية، يقول والْتر رُودْني:
«إن مناقشة التجارة بين الأفارقة والأوروبيين في القرون الأربعة السابقة على الحكم الاستعماري تعني أن نناقش، في واقع الأمر، تجارة الرقيق. وإذا شئنا الدقة فإن الإفريقي لم يصبح رقيقا إلا عندما تم نقله إلى مجتمع عَمِلَ فيه كرقيق.
وقبل ذلك كان في البداية رجلا حرا ثم جرى استرقاقه. ومع ذلك يمكننا أن نتحدث عن تجارة الرقيق حينما نشير إلى شحن المسترقين من إفريقيا إلى أنحاء العالم المختلفة الأخرى حيث كان عليهم أن يعيشوا ويعملوا باعتبارهم ملكية للأوروبيين… نلفت الانتباه إلى أن كافة عمليات الشحن قد قام بها أوروبيون إلى أسواق يسيطر عليها أوروبيون أيضا. وكان ذلك في مصلحة الرأسمالية الأوروبية على وجه التحديد. وفي شرق إفريقيا والسودان قام العرب بأسر كثير من الأفارقة وباعوهم لمشترين عرب. ويعرف ذلك في (الكتب الأوروبية) “بتجارة الرقيق العربية”».

وقد لعبت الصحراء دورا في تجارة الرقيق باعتبارها بوابة بين الشمال إفريقيا وجنوبها يقول محمد دحمان: «لذلك لا يمكن أن نفهم مكانة ومهام “الرقيق” إلا داخل هذه التشكيلة الاجتماعية الناجمة عن نمط العيش الرعوي القائم على الحركية المجالية ودور الوساطة الذي لعبته الصحراء في تاريخ العلاقات الاقتصادية والثقافية ما بين شمال إفريقيا ومناطق إفريقيا جنوب الصحراء. وهنا لم تشكل الصحراء أبدا نقطة فصل بل ظلت دائما أداة اتصال ما بين حافتي الصحراء. ذلك الاتصال لعبت فيه تجارة الرقيق دورا مهما، وكانت من نتائجه وجود مجموعات اجتماعية تسمى “العبيد” داخل البناء الاجتماعي للمجتمع الصحراوي.
غير أن أهم ملاحظة يمكن تسجيلها في هذا الباب هو شبه غياب لكتابات محلية عن هذه الفئات باستثناء ما نجده في الأمثال والحكم الشعبية، أو باقي مكونات الرواية الشفهية الحسانية».
إن الصحراء تمثل همزة وصل بين الشمال والجنوب من إفريقيا، وكان للرق حضور بالمناطق الصحراوية، والتمثلات السلبية عن السود لا تنتشر فقط في الصحراء كما أشار الباحث محمد دحمان، وإنما تشمل المغرب بأسره، على المستوى الاجتماعي، بل الأمر يشمل الثقافة العربية بصفة عامة.
وبما أن الأمر كذلك نرى أن المدرسة تشكل وسطا متميزا لمحو هذه التمثلات الخاطئة، وليس بتركها كما قد يظن، وإنما بعلاجها في إطار المبادئ الإسلامية السمحة التي تدعو إلى المساواة ومواثيق حقوق الإنسان، ومن هنا ينبغي النظر إلى المواد الدراسية بشكل متكامل، مثل مواد: التربية الإسلامية واللغة العربية والاجتماعيات والفلسفة …

خاتمة:

أرى أنه آن الأوان للنظر للمسألة الحقوقية بنظرة تكاملية، لا ينبغي أن يتحصن ممثل كل ثقافة محلية في خندقه ويدافع عن هويته المحلية فحسب، وإنما يجب أن ينظر إلى هذا الاختلاف بشكل إيجابي، فالذي يرى أنه ينتمي لثقافة عربية (لغويا)، يجب أن ينظر إلى الثقافة الأمازيغية على أنها تمثل جزءا من كيانه، وأن من ينتمي للثقافة الأمازيغية عليه أن يعتبر الثقافة العربية مكونا لهذه الأمة العريقة، والأمر نفسه لذي الهوية الإفريقية أو الأندلسية.
لذا يجب تحسيس التلميذ المغربي بانتمائه الجغرافي للقارة الإفريقية، وضرورة تعرفه على التنوع الإثني للمغرب، والتأكيد على مساهمة الإنسان المغربي ذي الأصول الإفريقية السوداء في بناء الحضارة المغربية، وبالتالي ينبغي تصحيح التمثلات السلبية عن السود، وخاصة أنها تنتشر بشكل كبير في الأوساط الاجتماعية غير المتعلمة.
ولابد من مراعاة رافد الهوية والثقافة الإفريقية للمغرب في إنجاز الكتب المدرسية مستقبلا تماشيا مع ما طرحه دستور 2011.

ـ لائحة المصادر والمراجع
ـ دور تافيلالت في تنظيم العلاقات بين المجتمع القبلي والمخزن والمستعمر، عبد الله استيتيتو، نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ط1، 2013.
ـ ملف الصحراء المغربية الغربية أمام مؤتمر القمة العشرين لمنظمة الوحدة الأفريقية المنعقد بأديس أبابا يوم الإثنين 12 نونبر 1984، عبد الوهاب بنمنصور، المطبعة الملكية، الرباط، 1984.

ـ الأنا في التاريخ المدرسي: قراءة في المناهج التعليمية المغربية، خديجة واهمي، ورقة مقدمة ضمن: تدريس تاريخ المغرب وحضارته: حصيلة وأفاق، تنسيق: محمد حمام، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، سلسلة الندوات والمناظرات رقم: 17، 2009.
ـ دليل مرجعي في مجال حقوق الإنسان، اللجنة المشتركة المكلفة بتنفيذ البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان.
ـ منار اللغة العربية، السنة السادسة من التعليم الابتدائي، Top edition.
ـ الرائد في اللغة العربية، السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، ط.
ـ الأساس في اللغة العربية، السنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي، مكتبة المعارف.
ـ المرجع في اللغة العربية، السنة الثانية من التعليم الثانوي الإعدادي، الدار المغربية للكتاب.
ـ في رحاب اللغة العربية، السنة الثانية من التعليم الثانوي الإعدادي، الدار المغربية للكتاب.

ـ منار الاجتماعيات، السنة الثانية من التعليم الثانوي الإعدادي، Top Edition.
ـ الجغرافيا الثقافية – أهمية الجغرافية في تفسير الظواهر الإنسانية، مايك كرانغ، ترجمة: سعيد منتاق، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ع317، 2005.
ـ المسار في الاجتماعيات السنة السادسة من التعليم الابتدائي.
ـ الجديد في الاجتماعيات، السنة السادسة من التعليم الابتدائي.
ـ النجاح في الاجتماعيات، السنة السادسة من التعليم الابتدائي.
ـ مساهمة صنهاجة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمنطقة الصحراء، باتا الحسين، ورقة مقدمة إلى: أعمال الندوة العلمية المتوجة لربيع بوجدور الثقافي السابع المنظم من طرف من مندوبية وزارة الثقافة ببوجدور بتعاون مع عمالة الإقليم ومركز الدراسات والأبحاث الحسانية، ضمن كتاب: ثقافة الصحراء مدارات الهوية والمعنى، منشورات وزارة الثقافة، 2013.
ـ فضاء الاجتماعيات، السنة الثانية من التعليم الثانوي الإعدادي، مطبعة المعارف الجديدة.
ـ التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، الكتابة العامة، مديرية المناهج، ملحقة لالة عائشة، حسان- الرباط. 2007.
ـ الأساسي في الجغرافيا، السنة الأولى من سلك البكالوريا، مسلك الآداب والعلوم الإنسانية – مسلك اللغة العربية بالتعليم الأصيل، مكتبة المعارف، ط1. 2006.
ـ في رحاب التاريخ، السنة الأولى من سلك البكالوريا، مسلك الآداب والعلوم الإنسانية – مسلك اللغة العربية بالتعليم الأصيل، مكتبة السلام الجديدة- الدار العالمية للكتاب.
ـ الجديد في التاريخ، السنة الأولى من سلك البكالوريا، مسلك الآداب والعلوم الإنسانية – مسلك اللغة العربية بالتعليم الأصيل، دار نشر المعرفة، ط1، 2006.
ـ أوروبا والتخلف في إفريقيا، والتر رودني، ترجمة: أحمد القصير، مراجعة: إبراهيم عثمان، سلسلة عالم المعرفة، الكويت. ع132، 1988.
ـ الرق في الصحراء، دراسة سوسيو- أنثروبولوجية حول منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، محمد دحمان، مقال ضمن: الرق في تاريخ المغرب، ندوة مختبر تاريخ التراث بجهة الغرب الشراردة بني احسن (Rabat net)، الرباط، 2010.
ـ تمثيلات الآخر. صورة السود في المتخيل العربي الوسيط، نادر كاظم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock