أخبار محليةأخبار وطنية - دولية

” ناصر العروسي”: إلى خير جوار

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

كمال الدين رحموني
كلمة باسمي، وباسم بعض إخواننا ممن عرف الفقيد، وقدَّره فأحبّه.
أقلُّ الواجب حين يرحل واحد من أصدقائك وأحبائك، أن تدعوَ له، بالرحمة والمغفرة، أن تُعزِّيَ أقرباءه في المصاب الجلل، لكنّ أوجبَ الواجب، -ونحن شهود رب العالمين في أرضه-، أن نذكرَ مناقب رجل عاشرناه سنين عددا، جمعتنا به أيام العمل العادية بما لأصحابها وما عليهم. بالأمس انتقل أخ كريم إلى جوار الجليل الرحيم، أحد أطر وزارة التربية الوطنية بمديرية بركان، الأستاذ ناصر لعروسي، أحد الرجال الذي جمع إلى جانب المهنية المتقنة، صفاتٍ تختصر جملة من الأخلاق التي عزَّ نظيرها في واقع الناس، في خضم الانشغال بإكراهات العمل المضنية، والانتشاء بزهو المسؤولية، والتقرب من هرمها، وكأن القرب منها محمدةٌ يحرص عليها الموظف لعلها تمنحه الرضى، وهي في الحقيقة رهان على سراب، ومخاطرة وراءها جعجعة بدون طحين. لست أدري ما الذي حرّك هذه الخواطر في هذه اللحظة، فلعها الغفلة التي أنستنا أنفسنا، وشغلتنا عن إخواننا وأحبائنا حتى فُجِعْنا برحيلهم، فتذكّرناهم بعد أن أجرى الله قدر الموت عليهم، فرحلوا في صمت، في زمن انكمشنا فيها على أنفسنا، بعد أن حاصرنا الوباء، فلم نعد قادرين حتى على حضور جنائز أحبائنا. رحل أخونا ناصر العروسي، إلى الدار الآخرة كما سنرحل جميعا. والفقيد -رحمه الله-، واحد ممن عرفه إخوانه وأصدقاؤه فأحبوه، ليس لمهنيته وكفاءته الناجعة فحسب، فتلك لا يجادل فيها إلا ذو حظ قليل، ولكن لسَمْتِه الذي حلاّه الله به وزينّه. أخونا ناصر، رجل صاحب الصدر الواسع، والثغر الباسم، لا تراه حين تراه إلا شديدَ الحرص، كريمَ البذل في جميع المناصب التي تعاقب عليها بالنيابة، وأهمها رئاسة مكتب الامتحانات. لا يعبأ بصحة وعافية ما دام في مهامه الإدارية، ولا تراه في أوقات التخفف إلا باسما طلق المحيّا، يستمع إليك بإمعان، ويستفسر عما يريد معرفته بإسهاب، فحاز الإجماع من لدن كل من عرفوه عن قرب، وعايشوه طيلة عقدين من الزمن. وشاء الله أن يبتلي أخانا الكريم، و”إنَّ اللهَ إذا أَحَبّ عَبْدًا ابْتَلاهُ”، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّ اللهَ إذا ابتلى عبدا، فَتِلك أمارة على خير له، فقد قال عليه السلام: ” مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ”. ابتلاه الله حين تعرض لحادثة مرور قاسية، وهو يؤدي مهامه التي ظل حريصا على الوفاء بها، وابتلاه بعد تقاعده بما يبتلي به أحباءه من المرض، وكأني بالله أراد ألا يخرج أخونا الراحل من الحياة الدنيا – التي فتنت كثيرا من الناس- إلا وقد طهّره من أدرانها، ونقّاه من أوساخها، أو ليس قد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم:” مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه”، وقَالَ: ” ما مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شوْكَةٌ فَمَا فوْقَهَا إلاَّ كَفَّر اللَّه بهَا سَيِّئَاتِهِ، وَحُطَّتْ عنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجرةُ وَرقَهَا”. أخونا الراحل ناصر، كما عرفه أصدقاؤه، حاز من الخلق ما يتمناه كثير من الناس، -ولا نزكي على الله أحدا-، وإنَّ المؤمن ” لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصّائِمِ الْقائِمِ” كما أخبر المصطفى عليه السلام. لن أستطيع الوفاء بكل ما عُرِفَ به أخونا الراحل من حميد الصفات، فتلك مناقب يعرفها أكثر مني بعض الزملاء الذين جمعتهم به ظروف العمل القاسية، وتعرفها الإدارة “الجافية” التي لا تدرك قيمة موظفيها من طينة الراحل إلا بعد التقاعد عن العمل، والأفظع، حين يتقاعد من حياتنا الدنيا راحلا إلى رب غفور رحيم، يقدّر عباده الصالحين المخلصين، ذلك ما نرجوه لأخينا الراحل، عند ربه، أن يجزيه عن عمله الحسن وصدقه إحسانا، ويتجاوز عن سيئاته عفوا وغفرانا، كما نسأله تعالى أن يبدل محبة أهله وأبنائه وأصهاره له صبرا جميلا، وأن يكون لهم سبحانه فيما بقي من العمر، كما أسأله تعالى ألا يحرمنا أجره وألا يفتننا بعده، ويغفر لنا وله. وإنا على فراقك -أخي ناصر- لمحزونون، ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا، فللَّه ما أعطى، ولله ما أخذ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock