أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

من كتاب لم ينشر بعد : الإضرابات تستمر رغم تعنيف التلاميذ….

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

من كتاب لم ينشر بعد :
الإضرابات تستمر رغم تعنيف التلاميذ….
يبدو أن بعض المناطق في مدينة وجدة قد أضحت خلال هذه الأيام مسرحا لعمليات فريدة من نوعها وهي اصطياد التلاميذ وإلقاء القبض عليهم واعتقالهم لدى الشرطة… وكان للمنتمين إلى الثانويتين المشهورتين عبد المؤمن وعبد العزيز الحظ الوافر من هذا الاعتقال التعسفي …ومع مرور الوقت وإطلاق سراح المعتقلين الذين كان زوار الفجر قد اعتقلوا أغلبهم من منازلهم، بات واضحا أن العملية كانت شبه تمويهية وذلك للتغطية على العملية التي وقعت ليلا بداخلية ثانوية عبد المؤمن..كما بات واضحا أن المستهدف الأساسي هو داخلية ثانوية عبد المؤمن كبؤرة توتر مستمر..وبالأحرى وجب إضعافها إلى أقصى ما يمكن…إلا أن هذه الحسابات لم تكن خاطئة فقط وإنما كانت بمثابة صب الزيت على النار..فإذا كانت الإضرابات عن الدراسة في الأيام الأخيرة ، تقام بحضور اللتلاميذ وتجمهرهم في الساحة فابتداء من صبيحة ليلة مداهمة رجال الأمن للداخلية، سيرفض التلاميذ الدخول إلى الساحة ،وبالأحرى ستصبح الثانوية شبه مغلقة…وقد سرت أخبار مداهمة الداخلية سريان النار في الهشيم ..وبدأت الوقفات الاحتجاجية تقام خارج الثانوية…فقد بدأ تجمهر التلاميذ يتم أمام الثانوية كل صباح ..ليدشن يومه بترديد الشعارات التي أعادت إلى الأذهان تلاحم الأسرة التعليمية…وكانت النتيجة أن الإضرابات قد طالت حتى الإعداديات وفي بعض الجهات طالت حتى المدارس الابتدائية
وقد راجت أخبار مفادها أن الحكومة عازمة على انتهاج أساليب قمعية أكثر من ذي قبل ..وأنها أصبحت لا تعلق أهمية كبيرة على عودة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة..

ترحيل الداخليين وإيداعهم السجون المحلية

تـم إغلاق أبواب الثانويات والداخليات المضربة إلى أجل غير مسمى…وكثرت الاجتماعات وكثر معها استدعاء أولياء التلاميذ لتحسيسهم وتحسيس أسرهم بطريقة رسمية عبر التلفزيون والإذاعة الوطنية بخطورة المرحلة ..

تم ترحيلنا ليلا بعد أن قسمونا إلى مجموعات حسب المناطق التي ننحدر منها…وطبعا فقد رحلت إلى جرادة ضمن مجموعة كبيرة من أبناء هذه المدينة وأبناء المناطق المجاورة لها … ويبدو أننا كنا محظوظين، لأن نقلنا كان بواسطة حافلة كبيرة من النوع المعد لنقل المسافرين…أما بعض المجموعات الأخرى فقد تم نقلهم على متن الشاحنات العسكرية التي لا تتوفر على الشروط الضرورية لنقل المسافرين .. خاصة وأن الفصل كان شتاء…وربما كان السبب هو العدد القليل لبعض هذه المجموعات، التي يكون المسئولون عن عملية الترحيل القسري هذه قد طبقوا عليها سياسة التقشف…إذ لا يعقل تسخير حافلة كبيرة لنقل مجموعة صغيرة من التلاميذ…

وفي الحافلة استرعى انتباهي وجود “عبد الرحمان” معنا في نفس الحافلة ..عبد الرحمان الذي لا ينحدرمن جرادة ولا من نواحيها… فتساءلت في نفسي إلى أين هو ذاهب ؟..ولم يطل تساءلي عندما جاءني ووقف بجانبي وطأطأ رأسه على كتفي…وقال لي همسا بأنه خائف من الاعتقال..وبدلا من الذهاب إلى المدينة التي ينحدر منها و حيث تعرفه السلطات المحلية جيدا..فقد فكر في تغيير المدينة لعله يستطيع بذلك الإفلات من الاعتقال…

وصلنا إلى مدينة جرادة حوالي الساعة الواحدة صباحا..وجدنا القوات المساعدة في انتظارنا..حيث أدخلونا إلى غرفة بمقر قيادة المدينة توجد بطابق تحت الأرض…وربما كان هو السجن أو المعتقل الذي كانت تستعمله السلطات لحجز المتهمين في انتظار عرضهم على العدالة…كان السجن عبارة عن قاعة مستطيلة لا يصلها الضوء إلا من خلال نافدة صغيرة و التي كانت مغلقة …وفي آخر الغرفة كان هناك باب يفتح على مرحاض تقليدي صغير تكون دورة المياه قد تعطلت فيه منذ خروج الاستعمار…وكانت الحنفية الصغيرة تبدو وكأنها تحفة مهجورة علاها الصدأ..

كدسونا بهذه الزنزانة المملوءة بالغبار وأعقاب السجائر…وأمرونا بالجلوس أرضا..كانت أرض القاعة باردة جدا ولم تكد أطرافنا تلمس الأرض غصبا عنا ، حتى قام الكثير من التلاميذ واجمين في أمكانهم وكأنهم أصيبوا بصعقة كهربائية…أما البعض الآخر فقد شرع في القفز في مكانه وكأنه أصيب بلسعة عقرب…ثم اهتدينا إلى استعمال كتبنا ودفاترنا و محفظاتنا التي فرشنا بها الأرض، وجلسنا في شكل مجموعات..يسند أفراد كل مجموعة ظهره إلى ظهر المجموعة الأخرى قصد الاستفادة من الطاقات المنبعثة من أجسامنا …ومع ذلك فإن برودة الطقس عامة وبرودة المكان جعلت إسمنت أرض الزنزانة وجدرانها تتحول إلى شبه أنياب حادة بدأت تمتد في كل مكان لتنهش أجسامنا الطرية التي لم تتعود على هذه الحالة..

كنا أكثر من عشرين طالب… وكانت ليلة تاريخية لم يغمض لنا فيها جفن…أمضينا الليل كاملا في سرد المستملحات والنكات…والتعليق على بعض أفراد القوات المساعدة..الذين بمجرد ما أدخلونا إلى السجن حتى أغلقوا علينا الباب الحديدي السميك ولم نعد نسمع أي شيء..وقد حاول بعضنا طرق الباب لعلهم يسعفوننا ببعض الفراش أو الحصير أو الماء الشروب أو ماء الغسل.. إلا أنه لا حياة لمن تنادي..لقد أغلقوا الباب وأحكموا غلقه..ومع بزوغ الفجر فقد أصيب بعض الطلبة بحالة من الاختناق لأن النافذة الوحيدة كانت مغلقة وأن المرحاض بدون الدورة المائية تكدست فضلاتنا حول مجراه المخنوق فبدأ يبعث بروائحه التي تزكم الأنوف في كل الاتجاهات…وبعد الإلحاح في الطرق على الباب والجدران..فتح أحدهم الباب ليسأل هل توفي أحد منا ليخرجوه..وعندما قلنا له بأن الجميع حي يرزق..أخبرنا بأن الباب سوف لن يفتح مرة أخرى إلا لإجلاء الأموات كما أخبرنا بصفة قطعية بأنه علينا نسيان شيء اسمه الماء..ثم أعاد غلق الباب بسرعة..فخيم على الجميع سكون مخيف…وبقيت العيون مشدودة بالباب….
(يتبع)… رابح قاسم

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock