أخبار محليةأخبار وطنية - دولية

كورونا: خواطر وبشائر

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين
كورونا: خواطر وبشائر
بقلم:عبدا لمجيد بنمسعود
من عرفني فقد عرفني – وما أظن أن أحدا في الكون ممن لهم تمييز لم تحصل له معرفة بي – ومن لم يعرفني، فأنا “كورونا”، ولقبي الذي أشتهر به ضمن عائلتي الكبيرة هو “كوفيد 19″، وأنا سليلة ما يعرف عند العلماء المختصين، بعائلة الفيروسات التاجية، التي حظيت من بينها بقسط أوفر من الاهتمام، لا لشيء، إلا لأن الكشف عن حقيقتي، وطبيعة تركيبي، قد ظل لحد الآن مطلبا عزيز المنال، وليس من حقي أن أقول: إنه متعذر، أو أنه ضرب من المحال، لأنني لا أعدو أن أكون واحدة من خلق الله العزيز المتعال، الذي تعنو لعزته الجباه، وتلين في قبضته شم الجبال، ويعلم “دبيب النملة السوداء، في الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء”.
أمرت منذ ما يقرب من ستة أشهر أو ينيف، أن أخرج من مخابئي، وأسفر عن وجهي، أو بالأحرى عن بعض ملامحه، لمجرد الاستئناس المعرفي- الذي قد يكون فاتحة لمعرفة المزيد من أسراري، وفق مراد الله الفتاح العليم- ثم أشرع في عملية طواف عبر ربوع الكرة الأرضية، التي سماها الناس في هذا العصر بالقرية العالمية، بفعل ما حققوه من سرعة التواصل، لا التقارب والاتصال. أقول عملية طواف،من باب تلطيف العبارة في هذه اللحظة، لأنه طواف كاسح جارح، لا يمر من حدب أو صوب، في شرق أو غرب، إلا وخلف فيه ضحايا بالجملة، وأقام فيه مواسم النياحة والبكاء، دونما فرصة لمواساة أو عزاء. ولأمر ما ولسر ما، كانت وطأتي على بعض زوايا تلك القرية وجيوبها، أشد منها على البعض الآخر. وإنه لسر عجيب، قد يدركه اللبيب، ويفهمه النجيب، أن تكون الوطأة أشد وأنكى في العدوة الشمالية القصوى من القرية، منها في العدوة الجنوبية الدنيا، فبينما كانت الإصابات في هذه ببعض الآلاف، والقتلى بالعشرات والمئات، كانت الإصابات في الأخرى بمئات الألوف، والقتلى بالألوف. ومما لا شك فيه، أن الخبراء والباحثين في الطب وعلم الفيروسات، وعلم الجغرافيا وعلم الاجتماع، وغيرها، سينبرون – بمجرد أن تخمد نيراني وأرفع أوزاري – إلى وضع هذه الظاهرة الغريبة على طاولة البحث والتشريح، والكشف والتحليل، ليس فقط عن تركيبتي وطبيعة تكويني وبنائي، وإنما أيضا- وباهتمام لا يقل عن اهتمامهم بالعنصر السالف الذكر- بمحاولة الكشف عن سر ذلك التفاوت في الإصابات، ونسبة الفتك، وتفسير دلالاته وأبعاده.
فأن يكون ضحاياي في العدوة القصوى أكثر بكثير منهم بالعدوة الدنيا، على الرغم من أن التقدم العلمي والتطور التكنولوجي والتوسع العمراني،هو أعلى في الأولى منه في الثانية، فهذا أمر لافت للنظر، ولا يمكن أن تخطئه العين، لأنه يحمل مؤشرات تتحدى العقل، وتقتضي التحليل والتعليل، الذي يكتسي طابع الإلحاح، خاصة بالنسبة لمن ينظرون إلى الأشياء في هذا الكون، وإلى ما يحدث فيه من ظواهر ويجري في من أحداث، بالمنظور المادي الذي يؤسس فهمه على معطيات الأسباب المادية، والمعطيات المحسوسة الملموسة ليس إلا، غير واضع لعنصر الروح والغيب أي وزن أو اعتبار.
إن المفروض في ضوء المعادلة المادية، أن يحدث عكس ما حدث، وأن تتمكن “الدول المتقدمة” من مواجهتي بكفاءة أكبر، وأن يزداد تخفيفها من غلوائي وزحفي، يوما عن يوم، غير أن ما وقع قد عاكس هذا الافتراض، بما يثير الحيرة والفضول والاستغراب عند من يتبنون النظرة المادية للكون والحياة. فأنا لا زلت لحد الساعة أسقط آلاف الأرواح في الولايات المتحدة، رائدة العالم المادي المتبختر، الذي يتيه ويزهو بفتوحاته العلمية، التي جاوزت به الكرة الأرضية إلى ما فوقها من كواكب وأجرام. ولا زلت أمخر عباب بلاد سيدة الشق الشرقي من عالم الغرب المادي: دولة روسيا التي برزت( بتشديد الراء المفتوحة) هي الأخرى في التماس أسباب القوة المادية، في تنافس مع متزعمة الشق الغربي من ذلك العالم الذي يسعى إلى توطيد قبضته وهيمنته على الناس، في سياق نزعة فرعونية عاتية، لا تدخر وسعا في سعيها المحموم، من أجل ترسيخ مخالبها التي أنشبتها في جسم الإنسانية المهيضة الجناح، بكل قسوة وشراسة، وبكل استكبار وغطرسة.
فأي تفسير – إذن- لهذا الذي وقع؟ مهما يأت به هؤلاء الماديون من شروح، ، فإنه لا قبل لهم بأن يأتوا بتفسير ينسجم مع منطقهم المادي، ولا يخرج عنه قيد أنملة.
وأنا – بصفتي كورونا كوفيد 19، أعلن التحدي الصارخ لهؤلاء الماديين، أن يدلوا بدلوهم في الموضوع، مع بقائهم في نطاق النسق الذي به يؤمنون، وفي ضوء مبادئه يتصرفون ويسلكون.
فإذ لم يأتوا بشيء من ذلك، فلا مناص لهم من أن يذعنوا للحق، ويقروا بأن التعويل في مسار الحضارات- على مستوى بناء المنعة وتأمين الرسوخ والبقاء- ليس بأية حال على الحس المادي الجاف الغليظ، الذي لا يؤمن إلا بالمتاع المادي الصرف، في انفصال تام عن الخضوع لسلطان الروح وتوجيه الغيب، الذي يقوم الأشياء بالميزان الشامل الذي قوامه التوازن والتكامل بين عناصر المادة وعناصر الروح، بين عالم الشهادة وعالم الغيب، في انسجام رفيع، وتفاعل منتج خلاق.
لقد دلت القرائن لمن ألقى السمع وهو شهيد، ولكل من عاين بلائي، وتكبد من قسوتي وعنائي، أن الحسابات المادية الصرفة، في معزل عن استبطان حقائق الروح، واستحضار موازين الغيب، واستلهام بصائر الوحي، ما أكثر ما تضل، وما أكثر ما تفسد وتختل، فها أنتم ترون بأمهات أعينكم كيف سقطت حسابات الماديين في التراب، وكيف هشمت أنوفهم، ومرغت أذيالهم في أوحال المهانة، عندما أذعنوا صاغرين، لما فرضته عليهم حملتي الساحقة من ضرورة التوقف الفوري، عن أغلب ما كانوا يمارسونه من أعمال وأنشطة، وأن يقبعوا في أوكارهم حتى إشعار آخر، وأن يتحولوا في لحظة فارقة من لحظات الزمان، إلى أسرى، يترقبون فرصة الفداء بين لحظة وأخرى. لقد خانهم يقينهم المادي الموهوم، فراحوا يتخبطون، كمن به مس الجنون، وطفقوا في ظل غياب اليقين الديني -الذي ظنوه في عداد الأساطير -ظلما وعلوا – يخاتلون أنفسهم، ويراجعون فطرتهم على خجل واستحياء، أو في تذلل واستجداء، يعبرون عنه في تكلف ورياء. أما رأيتم زعيم أكبر دولة شيوعية في العالم، ينزل من برجه الزائف الموهوم، ويتنقل بين المساجد، في حالة لاستجداء الدعاء، في خضم تأجج نيران الوباء، والحال أن صدره يغلي حقدا على المصلين المسلمين بشديد الضغينة والعداء؟
فهلا سألتم مسلمي الإيغور عما نالهم من سوء العذاب ما تشيب لهوله الولدان، فأي نفاق هذا؟ أم أي كذب و بهتان؟.
أما رأيتم من كانوا عبر القرون ، يكتمون أنفاس المؤذنين عن الجهر بكلمات الأذان، فإذا بهم في لحظات اشتداد لهيب سياط العذاب، واستحرار الموت، يأذنون، بل يحثون على رفعه، ويطلقون للمؤذنين به العنان ؟
وأعجوبة الأعاجيب، أن يحمل الأشقى الإنجيل ويلوح به، ملتمسا رفع أكف الضراعة والدعاء، من النصارى والمسلمين على حد سواء، من أجل رفع البلاء، وهو الذي يحمل أوزاره وأوزارا مع أوزاره، لقاء ما أزهقه من أرواح، وأهرقه من بريء الدماء.
ولكنه التخبط، ولكنها الفتنة التي تدع الحليم حيران، فما بالك بأهل الطغيان، والإجرام والعدوان.
إن الانطباع الجازم الذي ينبغي أن يرتسم في القلوب والأذهان، هو أن هذا الذي جرى ويجري في الكون، هو بلا مراء، امتحان وأي امتحان، بل إنه عقاب من الرحمن، كلفت بحمله إلى الطغاة والعصاة، والتائهين والمذنبين، بكل صدق وأمان.
وإذا كان كل من به مسكة( برفع الميم وتسكين السين) من إيمان، لا يداخله شك في سلامة ذلك الانطباع، الذي هو في حكم الحقيقة الثابتة، التي لا تنفك عن الذهن والوجدان، فإن أولي البغي والضلال والإجرام، يمارون في هذه الحقيقة ذات الأبعاد العقدية والأخلاقية والنفسية والحضارية، و التي هي تجل ناصع من تجليات العدل الإلهي، والحكمة الإلهية البالغة، التي تأبى على الظلم الاستمرار والاستقرار، وعلى الظلمة أن تكون لهم عاقبة الدار. يقول الله عز وجل:» قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ” (الأنعام: 135). فالظلم مؤذن بخراب الديار، و فساد العمران.
أو ليس الله هو رب العالمين الذي يتولى تربية عباده بالوعد والوعيد، وبالترغيب والترهيب، بل وبالتأديب والتعذيب ؟ ألم يقل سبحانه في محكم التنزيل:” وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة: 21).
أو ليس هذا الذي أرسلت به عبر القرى الظالم أهلها بعذاب أدنى؟ أو ليس الله بقادر على أشد من ذلك وأنكى، وأمر منه وأدهى؟ يقول سبحانه وتعالى:” قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ( الأنعام: 65).
ويقول سبحانه: ” أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (الإسراء: 68).
ويقول سبحانه:” أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (الملك:16).
إن لسان حال، وحتى مقال من ينكرون هذه الحقيقة العقدية والكونية والأخلاقية، يقول للناس بكل بجاحة وصلافة: أيها الناس لا عليكم أن تفسقوا وتفجروا، لا عليكم أن تظلموا، لا عليكم أن تعتدوا وتغدروا، لا عليكم أن تحدثوا ألف خرق وخرق في سفينة المجتمع، فتثقلها المياه وتهوي إلى قرار سحيق. لا عليكم أن تمارسوا جميع أنواع الجرائم، حتى جريمة الكفر والإلحاد، وانتهاك حرمات الدين، لا عليكم أن تكرسوا الواقع كما هو، مارسوا شهواتكم كما يحلو لكم، اطلقوا لها العنان، انغمسوا فيها حتى الأذقان، ازنوا، عاقروا الخمرة وتعاطوا للمخدرات، وروجوا لها حتى لا يخلو منها مكان، اسرقوا، رابوا، جاهروا بالإفطار في رمضان، وبالدفاع عن إجهاض البريء من الأجنة، اغتصبوا، أزهقوا أرواح الأبرياء، انهبوا أموال الأمة،عيثوا فسادا في الأوطان. وقس على هذا مما هو داخل في المنكر والفساد بمعناهما الواسع العريض، فليس لكورونا أو غير كورونا مما ينزله أو يسلطه الله عز وجل على القرى- إذا طغى أهلها وبالغوا في البغي والفساد- أي علاقة بذلك الفساد ولا أدنى اقتران.
إن هذا لمكر كبار، ومجلبة للعار، وإنه لخبال أي خبال، وإنه لصنيع شنيع، يريد أن يحدث فصاما في تصور الأمة، وخلخلة في ميزانها ورؤيتها للأشياء، ويروم إغراقها في فوضى فكرية عارمة لا حد لها، وجعلها فريسة للعدمية والحيرة والاضطراب، يروم هذا المكر أن يجرد الأمة من بوصلتها وميزانها، أو بالأحرى، استكمال الفصول السوداء التي أنجزت في هذا المسعى الإجرامي الخطير، الذي شرع في تنفيذه منذ زمن بعيد، وتشارك فيه شتى فصائل الشر، وأعتى دهاقنته ورموزه .
لقد أثرت مسألة التفاوت في الخسائر والضحايا بين أطراف القرية العالمية، ولقد عن لي أن أضع الأصبع، على ما به إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وفك الحابل من النابل، لقد ذكرت لكم أنني أوقعت من الخسائر في دول الطرف الشمالي وما حولها، بالإضافة إلى الدب الصيني، فوق ما أوقعته في الطرف الجنوبي، وأقول لكم قول الحق، بلا مواربة، وبلا أدنى انحياز لطرف أو آخر، إذ لا مصلحة لي أربها عند هذا أو ذاك، فأنا مأمورة، وذلك مناط نزاهتي ورساليتي.
لقد وجدتني أساق كما تساق الريح السموم بسرعة مذهلة، وبقوة هائلة للانسياح والاجتياح، نحو دول وممالك تعتبر معاقل للطغيان والعدوان، ومراتع للشيطان، ومراكز لتفريخ خطط الفسوق والعصيان، ومحاربة الواحد الديان، ومحاربة أوليائه المؤمنين، مثل أمريكا والصين، ودول أوروبا، ومن لف لفهم وسار على منوالهم، فهذه البقاع خصصتها بضربات موجعة، وأشبعتها لسعا وفتكا، لقاء ما صنعته أيديهم، وما أمعنوا فيه من صنوف التحلل والإجرام، وهززتهم هزا، ورججتهم رجا، عسى أن يعرفوا أن لهم ربا رقيبا عليهم، يعلم حركاتهم وسكناتهم، ويترصدهم بالحساب والعقاب، وهو يمهل ولا يهمل، ويرسل بالآيات ترهيبا وتخويفا، وهو قادر على أن يهلكهم كما أهلك من قبلهم ممن كانوا أكثر منهم قوة، يقول سبحانه:” أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” (الروم: 9).
أما الممالك والأقطار التي يدين أهلها بالإسلام، ويرفع فيها الأذان، وتقام فيها الصلوات، فقد أوغلت فيها برفق، وآثرت أهلها بمعاملة تفضيلية، وكان عملي فيهم بمثابة وخزات التنبيه، لإزاحة الغشاوة، والعودة إلى حالة الوعي، والاستقامة على الطريق، وتجديد العهد مع الخالق الرازق الذي يملك مفاتح النصر والعزة، ومفاتح القوة والمنعة، وما كان لي بحال- وأنا المسخرة ممن خلق السموات والأرض بالحق- أن أسوي في العقوبة والنكال، بين من يتطهرون ويغتسلون، ويذكرون الله ويستغفرون، وبين من أقفرت قلوبهم من الإيمان، وجمعوا بين نجاسة القلوب والأبدان، وأشربوا في قلوبهم العجل ببغيهم، وراحوا يزرعون شرهم، وينفثون سمومهم في كل مكان.
في هذا العصر، أو في هذا الزمن الذي قرنتموه باسمي، فسميتموه بزمن كورونا، وحق لكم ذلك، فقد تردد اسمي على كل لسان، وعبر وسائل التواصل والإعلام، وأقيمت حولي آلاف الندوات، وتجندت للبحث عن حقيقتي آلاف المراكز والمختبرات، في أفق الاهتداء إلى دواء، يصلح لدرء ما جلبته معي من علة وأدواء، أو لقاح للتمنيع ضد الوباء، قلت في هذا الزمن الفريد الذي ستظل ذكراه راسخة في الأذهان، وصورته ماثلة للعيان، أنجزت آلاف المهام تحت شعار بارز كبير: من أجل إصلاح منظومة الكون، واستتباب الأمن لبني الإنسان. ألم تروا أنني قد حرضت المؤمنين في البلاد التي تدين بالإسلام دينا على ترك الموبقات، وسد الكثير من منافذ الشيطان، وكنت سببا في استنفار قوى للخير والصلاح كانت مكنونة، واستخراج كنوز وأرصدة كانت وراء حواجز الشح مدفونة؟
ألم تروا أنني كنت وراء إزاحة حجب الغفلة وأستار النسيان من على العيون والأذهان، في كل البلدان، فعادت تنظر بجلاء، وتشعر بصفاء، بعظمة القيم التي جاء بها رسول الإسلام، وسيد الأنام، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
ويكفي أن أضرب مثلا مشرقا لما يمثل معلما من معالم الأمة المسلمة الخالدة، إنه معلم التطهر والطهارة، بمعنييها المادي والروحي، وهو ما يمثل صمام أمان من كثير من الأمراض النفسية والجسدية، على خلاف أمم كان كبراؤها يتمسكون بالقذارة، ويجفلون من الماء، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولم يعرفوا الاغتسال واستعمال الصابون، إلا منذ عهد قريب عن طريق اتصالهم بحضارة المسلمين، قبل أن يأفل نجمها بسبب الانسلاخ من تعاليم الإسلام. ومع ذلك فقد أتى عليهم حين من الدهر، تجرؤا على اقتحام حمى الشعوب المسلمة الطاهرة، تحت ذريعة إدخالها إلى حظيرة المدنية والحضارة. يقول الله تعالى:” إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ” ( الأنفال: 11 ) .ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” ( المائدة: 6) .
ولقد كنت سببا في تخفيف وطأة الظالمين من تجار الحروب ومصاصي الدماء في بعض البقع المشتعلة التي يصلى فيها الناس نيران العذاب وصنوف الأذى والبلاء.
وكنت شاهدة على مقدمات وبشائر اندحار بعض مؤامرات محور الشر في بلاد المغرب العربي الإسلامي، التي تولى كبرها أمراء السوء والفساد والعدوان، الذين ضربوا أسوأ الأمثلة في خيانة أوطانهم وشعوبهم، وخدمة العلوج من شياطين الغرب وعتاة مجرميه.
وكم أنا فخورة ومسرورة، وأشكر الله جل وعلا، على أن وفقني أيضا لأن أكون سببا في توفير الشروط، وإنضاج العوامل والأسباب التي اشتعل على إثرها فتيل ثورة السود، أو ما يمكن أن نسميه بربيع أمريكا، الذي انطلق بمقتل جورج فلويد خنقا تحت ركبة أحد مجرمي الشرطة، بدافع الشعور العنصري المقيت، في مشهد اهتز له ضمير الإنسانية قاطبة، ولعله أن يكون منطلقا لكثير من المراجعات، التي تجلب مكاسب هامة، على مستوى إعادة هيكلة الحياة، في مجتمع قام في أصله على الإبادة والغدر والاستئصال، وأسس وجوده ونموه على اللصوصية والعدوان، ونهب خيرات الآخرين عبر العالم، في سياق ملحمة مزيفة حقيرة تقدس الباطل ورموز الباطل، وتسعى إلى إقامة أمبراطورية مترامية الأطراف، تتبجح ببسط أجنحة السيطرة والقهر على الإنسانية قاطبة.
إن مياها كثيرة جرت، وستجري، في زمني، المسمى زمن كورونا، مؤذنة بالشروع في
في عملية تطهير للمجتمع الإنساني من الأمراض والأوبئة الأخلاقية التي كانت وراء ما يقع في العالم من مآسي و ويلات، وإن المعول في قيادة هذه الملحمة البطولية البانية، على الشعوب المسلمة، وعلى قادة الأمة العظام، ممن يحملون همها العظيم في وجدانهم وصميم كيانهم. فعندما تبنى خطة القيام بهذا الإنجاز الكبير، تكون الإنسانية قد وضعت قدمها على الطريق الصحيح، في اتجاه التحرير والتطهير والتنوير. وصدق الله القائل:» لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ” ( الروم : 4).
وجدة في 12 يونيو 2020

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock