أخبار محليةأخبار وطنية - دولية

أزمة كوفيد لا تكفي!

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

د.محمد بالدوان
إن ما يضرب عالمنا اليوم من أزمات وهزات ليس جديدا، قد نراه مستجدا لكوننا لم نؤسس إدراكنا له على نحو علمي، لذلك نواجهه بذات الانفعالات والمواقف والاخطاء لنصطلي بذات الازمات، وأقصى الفطنة بما يجري تقول: “التاريخ يعيد نفسه”! ليس التاريخ من يعيد نفسه، بل نحن من يعيد إنتاج نفس المأساة والاحداث والازمات، في غياب تام عن الوعي التاريخي بالقضايا والسياسات.
قد نجد لما يجري اليوم أشباها له في الماضي، إذا ما مددنا أبصارنا بعيدا وأنصتنا لدروس التاريخ منذ القرن 19م.على الاقل؛ ففي مطلع القرن 19م.ظهر داء الكوليرا القاتل، واشتد التنافس الامبريالي الأوروبي بعد أطوار من الصراع الداخلي الطاحن بين القوى المحافظة والحركات القومية، ورغم عقد الاتفاقات والمؤتمرات لم يتوقف توالي الازمات في أوروبا، إذ لم تسهم التوافقات إلا بتأجيل الحرب، وكانت أصوات الممانعة تقف عاجزة أمام الدعاية الشرسة التي وظفت ضغائن الماضي وأحيت مشاعر الانتقام بين القوميات لتشعل فتيل الحرب العالمية الأولى(1914-1918) بعد إنتاج “الحدث- الصدمة” باغتيال ولي عهد النمسا على يد شاب صربي مهووس بالمشاعر القومية.
لم تقف الآلة المنتجة للازمات عند هذا الحد، سيظهر فيما بعد بأنها كانت تريد كسب رهانات كبرى، إذ رغم الازمة الخانقة الناجمة عن الحرب وتداعياتها الوخيمة على الامبراطورية العثمانية مثلا، تواصلت الممانعة ورفض السلطان عبد الحميد الثاني العرض المالي المغري لتيودور هيرتزل، مقابل إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، كما لم تكن الدول الأوروبية جاهزة للاعتراف بالوطن الجديد، باستثناء بريطانيا التي أبدت تعاطفها بوعد بلفور منذ 1917.
ستتعزز في نفس السياق التناقضات بعد تأسيس الاتحاد السوفياتي وتصدير الفكر الشيوعي إلى أوروبا الغربية الغارقة حينها في الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الناتجة عن اضرار الحرب وتصاعد سياسة رفع الرسوم الجمركية بين الدول، فضلا عن انتشار الانفلونزا الاسبانية التي حصدت أرواح الملايين.
توالت وتنوعت الازمات طيلة عشرينيات القرن20م.، حيث صار الاستقرار مستحيلا، وتزايد الصراع الايديولوجي والديني والعنصري، وفي ظل الفراغ السياسي ستتولى التيارات الفاشية والنازية مهمة إرجاع الاستقرار عن طريق العنف السياسي، لتتأسس مشروعية جديدة تناقض المشروعية الديمقراطية، ويتواصل الصراع من جديد بين حلفاء الديمقراطية ومحور الديكتاتورية في العالم والذي انتهى بحرب عالمية ثانية أكثر فتكا وحسما لصالح القوى العظمى التي بدت الاكثر تنظيما وإحاطة بكل تناقضات ومسارات الاحداث.
لم يسترجع العالم أنفاسه حتى استيقظ على إيقاع صراع جديد وأزمات تترى فجرها التقاطب السوفياتي- الأمريكي قبل أن يتوارى المعسكر الاشتراكي فاسحا المجال لنظام عالمي أنهك كل الدول والتوجهات والقوميات ليتربع على عرش القيادة بمفرده.
واصلت ثلاثية التأزيم الاقتصادي المفضي إلى التأزيم الاجتماعي المفضي إلى التأزيم السياسي الاشتغال كآلة بثلاث حلقات مسننة متصلة تغذي بعضها بعضا مخلفة موجبات الوهن عند الامم ومقومات القوة عند النظام العالمي الجديد.
حاليا بعد الحرب التجارية ودنو انتهاء أزمة كوفيد19، أطلقت أزمة الصراع العنصري داخل الولايات المتحدة مع السعي إلى عولمتها تعميقا للازمات من ناحية، ولصناعة واقع من الفوضى لا يقدر على إخماده سوى منطق القوة، وواقع الافلاس الاقتصادي لكل الفاعلين بحيث لا ينجوا من الافلاس إلا من تجند لخدمة أجندة الأسياد الذين لا تنفد خزائنهم، ومن ثم يتم تقويض الشرعية الديمقراطية وخلق ظروف وفرص مناسبة لصعود ترامب من جديد، وهذا هدف حيوي لنظام القطب الواحد إذ من الخطر أن تتوقف مشاريع الهدم والاخضاع خاصة بعد أن كثرت عناصر الممانعة عند الامم، لا بل وصعود اقتصادات قادرة على إعلان التفوق على الولايات المتحدة.
كأنه من اللازم عند بداية كل قرن أن تشتغل منظومة التأزيم لتكسب أهلها مقومات القيادة على امتداد قرن كامل، فقد بدأ العقد الأول من القرن21م بتفجيرات 11شتنبر و”الحرب على الارهاب”، أما العقد الثاني فيشهد ما نعيشه حاليا، وهو ذات ما وقع في بداية القرن الماضي؛ الحرب العالمية، الإنفلونزا الاسبانية، الازمة الاقتصادية الصراع الديني الإيديولوجي والعنصري…
لم يبق غير الحرب التي اندلعت في الثلاثينيات، وإعلان دولة “إسرائيل” في الاربعينات مع اعتراف دولي بها، ولعل التحرشات المتواصلة بالصين هو ما سيتوج بحرب كونية أخرى، وبعد كسب رهان الاعتراف بإسرائيل، قد يكسب القطب الواحد رهان الاعتراف بالقدس عاصمة لها والضفة الغربية والجولان ترابا لها.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock