أخبار محليةأخبار وطنية - دولية

القانون في زمن جائحة كورونا ،وضرورة تمرير قانون جنائي متكامل بعد الحجر الصحي .

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

سليمة فراجي – محامية – عضوة سابقة بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب

إثر ردود الأفعال التي اثارتها مصادقة الحكومة على مشروع القانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، في عز ازمة تفشي جائحة كورونا ، واتخاذ قرار تأجيله وقبره في الرفوف نظرا لكونه تضمن موادا قد تتعارض مع الفصل 25 من الدستور الذي يكفل حرية الفكر والرأي والتعبير للجميع ، في الوقت الذي يمنح فيه الفصل 24 من الدستور الحق لكل شخص في حماية حياته الخاصة ،الا يحق لنا التساؤل عن اسباب تعثر تمرير مشروع قانون جنائي متكامل رغم مرور ما يقارب العشرية على سريان دستور 2011؟
منذ الولاية التشريعية التأسيسية بامتياز 2011-2016 ، تم عرض مشروع القانون الجنائي على لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان للتدارس والمناقشة لكن تعذر تمريره وتمت تجزئته ، والمصادقة على بعض مقتضياته و تتميم بعض التشريعات المتعلقة به كالقانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء او القانون المتعلق بمكافحة الاٍرهاب الذي ادرج مقتضيات جديدة في القانون الجنائي المغربي تهم افعالا ذات صلة بمعسكرات التدريب ببؤر التوتر الارهابية ، او الاتجار بالبشر ، مع ترك المشروع ككل في رفوف لجنة العدل والتشريع منذ سنة 2016 .
وللاشارة ،فقد قدم مسودة المشروع لأول مرة وزير العدل من حزب العدالة والتنمية ، فانتهت الولاية دون التمكن من تمريره نظرا لوصفه بالماضوي والمناداة بإسقاطه ، ثم واصل العمل بشأنه وزير تجمعي في الولاية الحالية دون ان يتمكن البرلمان من المصادقة عليه، و ناقشه خلال الولاية الحالية ايضا مع نواب لجنة العدل والتشريع وزير اشتراكي ، دون ان تتجلى خارطة طريق تخرج المشروع برمته الى النور ، نظرا للخلافات الحادة واختلاف وجهات النظر ، تارةً حول موضوع الإجهاض والإشكالات والممارسات المجتمعية ، وتارة أخرى حول الحقوق والحريات ، وسكيزوفرينيا قضايا العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين ، وتارة رفض بعض النواب لمقترحات المجلس الوطني لحقوق الانسان حول التحولات المجتمعية ، واحيانا حول تجريم الاثراء غير المشروع ومصادرة الاموال والاملاك المتحصل عليها من الاثراء ،فيتم تأجيل وضع التعديلات من طرف الفرق البرلمانية الى تاريخ لاحق ، علمًا ان المشروع يناقش الجزء الاول فقط دون الجزء الباقي ، ومع ذلك تعثرت عملية تمريره .
وللاشارة فقد سبق لوزير العدل السابق الاستاذ مصطفى الرميد ان قدم مسودة تخص المشروع الذي اندرج ضمن المخطط التشريعي الذي رسمته وزارة العدل تنزيلا لمقتضيات الدستور، وكذلك توصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة وتفاعلا مع التحولات الحقوقية التي ميزت المغرب في العقود الاخيرة ، بالاضافة الى تسريع وتيرة المصادقة على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالجريمة وحماية حقوق الانسان ، وقد تمحورت مرتكزات المراجعة على دستور 2011 الذي التزم بحماية منظومة حقوق الانسان ومنظومة القانون الدولي الإنساني ، وعلى حماية السلامة الجسدية للمواطنين ومنع ممارسة التعذيب ، وحظر ومكافحة كل اشكال التمييز ، وحظر التحريض على العنصرية والكراهية والعنف ، وعلى مجموعة من الاتفاقيات الدولية كاتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949, ونظام روما للمحكمة الجنائية الدولية ، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 والبروتوكولين الملحقين بها المتعلقين الاول بمنع الاتجار بالاشخاص خاصة النساء والأطفال، والثاني بتهريب المهاجرين عن طريق البحر والبر .
ولعل اهم مستجدات المشروع في مجال التجريم همت جرائم جديدة اذ تم تجريم الاختفاء القسري وتجريم تهريب المهاجرين ، بالاضافة الى تجريم استفادة الغير بسوء نية من الجرائم المتعلقة بالاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ ، وتجريم الاثراء غير المشروع في إطار تعزيز منظومة مكافحة الفساد ، وإدراج جرائم الإبادة والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب ملاءمة مع اتفاقيات جنيف ونظام روما للمحكمة الجنائية الدولية .
اما مستجدات العقوبة فقد كرس المشروع جانب الإيلام والزجر مع توخي الإصلاح في نفس الوقت اذ منح المحكمة صلاحية التوقيف الجزئي للعقوبات السجنية التي لا تتجاوز عشر سنوات دون ان تنزل عن نصف العقوبة المحكوم بها ، مع اعادة تنظيم المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري باستثناء الدولة من اي مساءلة جنائية ، وذلك لا ينفي مسؤولية الشخص الذاتي مرتكب الجريمة بصفته فاعلًا اصليا او مساهما او مشاركا ، علمًا ان اهم مستجد يخص العقوبة هو تقسيم العقوبات الى اصلية او بديلة او إضافية ورفع الحد الأدنى للغرامة في للجنح إلى 2000 , ورفع الحد الأقصى للغرامة في المخالفات الى اقل من 2000 د مع حذف الاعتقال ، مع نص المشروع على نظام العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية في الجنح باستثناء بعض الجنح الخطيرة وهي الاختلاس ، الرشوة، الاتجار في المخدرات، الاستغلال الجنسي للقاصرين، على اعتبار ان سلب الحرية لا يتم اللجوء اليه الا في حالة الضرورة وقد تم تحديد العقوبات البديلة في الغرامة اليومية من 100 درهم الى 2000درهم ، والعمل لأجل المنفعة العامة وتقييد بعض الحقوق او فرض تدابير رقابية او علاجية او تأهيلية ، علما ان الاكتظاظ الذي تعاني منه المؤسسات السجنية يفرز تداعيات و آثار سلبية على عملية الإصلاح وإعادة التأهيل وإعادة الادماج.وللاشارة فانه في زمن الجائحة تفضل جلالة الملك باصدار العفو لفائدة ما يزيد على 5000 سجينا تحسبا لانتشار الوباء داخل المؤسسات السجنية .
واذا كان القانون الجنائي الذي يعود تاريخه الى 1962 لم يعد يتلاءم مع دستور 2011 نظرًا للتحديات التي يفرزها التطور المتسارع لأساليب الجريمة ، والتفاعل مع التحولات المجتمعية وكذا التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب ومحيطه الإقليمي و تفاعله مع المنتظم الدولي وتوفير سياج تشريعي للقضاء الوطني في مواجهة احكام القضاء الدولي ، وتماشيا مع الخطابات السامية في هذا المجال اذ جاء فيها : ” تحديث المنظومة القانونية ولا سيما ما يتعلق منها بمجال الاعمال والاستثمار وضمان شروط المحاكمة العادلة .. بموازاة مع ذلك يتعين تطوير الطرق القضائية البديلة كالوساطة والتحكيم والصلح والأخذ بالعقوبات البديلة ” انتهى النطق الملكي ، فإنه بات من الضروري ان تتظافر الجهود من اجل تمرير قانون جنائي يتلاءم مع الدستور ومع التحولات الكونية في إطار احترام ثوابت المغرب وهويته الوطنية الراسخة .
ولعل السرعة والارتجال في اعداد الحكومة لمشاريع قوانين من صلب القانون الجنائي كلما فرضت عليها ظروف طارئة تدخلا معينا لمواجهة مستجدات وطنية او دولية كسن قانون مكافحة الارهاب او محاربة العنف ضد النساء او غيرها ستجعل هذه المشاريع تفتقد للمقاربة التشاركية والتشاور بشأنها ودراسة اثرها، علما ان مشروع القانون 22-20 وبغض النظر عن المواد المرفوضة والمثيرة للجدل ، يتضمن بنودا قد تحد من نشر الادعاءات الزائفة التي تلحق ضررا بشخص ذاتي او اعتباري ، كما انها تجرم ترويج محتوى إلكتروني يبين كيفية تصنيع معدات التدمير المعدة من مساحيق أو موادمتفجرة أو نووية أو بيولوجية أو من أي منتج اخر مخصص للاستعمال المنزلي أو الفلاحي ، بالإضافة إلى تجريم واقعة انتحال الهوية الرقمية للغير أو استعمال معطيات بقصد تهديد طمأنينته أو المس بشرفه و بالاعتبار الواجب له ، والابتزاز عبر التهديد بالنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البت المفتوح المماثلة لتسجيل أو نشر وثيقة تتضمن صورًا أو حوارات ذات طابع جنسي، سواء تم الحصول على التسجيل أو الوثيقة من طرف الشخص المعني أو بموافقته الصريحة أو الضمنية ، كما ان تجريم وضع أو نقل أو بت أو نشر محتوى اليكتروني ذي طابع عنيف يمس بالسلامة النفسية للقاصرين وذوي العاهات العقلية قد يعتبر إيجابيا ، بالإضافة الى نشر المحتويات الإلكترونية الاباحية للقاصرين أو تحريضهم على المشاركة في الألعاب الخطيرة التي من شانها ان تعرضهم نفسيا وجسديا للخطر ، كلها مقتضيات تهدف حماية المجتمع بجميع شرائحه في زمن الثورة الالكترونية وظهور اشكال جديدة للجريمة اصبحت تهدد امن وامان وطمأنينة الساكنة والسلامة الصحة النفسية للاطفال واليافعين .
لذلك فإن الترسانة القانونية المغربية التي عرفت تتميمات وتعديلات وسن مقتضيات جديدة تتلاءم مع مستجدات المرحلة، تسعى الى ملاءمة التشريع الوطني مع المواثيق الدولية في نطاق احكام الدستور والهوية الوطنية الراسخة للمملكة من جهة ، كما انها تواكب ظهور اشكال جديدة من الجرائم العبر وطنية وكذا الجرائم الالكترونية التي من بينها ما جرمته بعض مواد مشروع القانون 20-22 .
ولعل تجربة فترة الحجر الصحي بسبب تفشي جائحة كورونا ستكون محفزا للمؤسسة التشريعية والحكومة التي تعد مشاريع القوانين ان تعيد ترتيب اولويات الزمن التشريعي بدل هدره بسبب اختلاف وجهات النظر والتحالفات الهجينة والبوليميك السياسي ، وكل ما لا يخدم مصالح المواطنين ، وتتطرق بعد الجائحة الى اخراج وتمرير مجموعة من النصوص العالقة ، خصوصا مشروع القانون الجنائي 16-10 وما جاء به من عقوبات بديلة تواجه معضلة اكتظاظ السجون ، و القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين ، والقطع مع عبث ايقاف مشروعي المسطرة الجنائية والمسطرة المدنية علما ان تقديم مشروع قانون الوسائط الالكترونية بصفة ارتجالية في عز أزمة كورونا بصفة مستعجلة ،ودون اعطاء باقي الاطراف المعنية فرصة إبداء الرأي للتمكين من المحاكمة عن بعد وسد الفراغ التشريعي في ظل الطوارئ الصحية ،يجعل تجاوز الاشكالات ومراجعة المواقف امور ضاغطة ومستعجلة لمواجهة تعثر مقتضيات واجراءات تشريعية اظهرت التجربة ضرورة الإسراع بتمريرها ضمن مقاربات تشاركية ومشاورات مع المؤسسات المعنية بدل الارتجال و العشوائية ،او ترك النصوص المتعسرة الولادة في رفوف لجان البرلمان وتعاقب الولايات التشريعية .
سليمة فراجي – محامية – عضوة سابقة بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock