افريقياالمولودية الوجديةتصفيات كأس أمم افريقيا

مناجاة ليلة فاتح شعبان

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

كمال الدين رحموني

ها رَجَبٌ قد رحل، وشعبان قد استهلّ. وبحلول شعبان يتذكر الناس حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن شعبان:” ذلك شهرٌ يغفُل الناسُ عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحبُّ أن يُرفَعَ عملي وأنا صائم” أحمد والنسائي. وهذا حديث شريف، يوجّه فيه النبيُّ الكريم أمتّه إلى أفضل الأعمال في هذا الشهر في الظروف العادية، فما بالك والنّاسُ في ضيمٍ، وضررٍ، وهلَع. لذلك فمَعَ الألم، يحضر الأمل، ومن جميل الأمل، أن يحفظنا الله من شرِّ ما في هذا الوباء، ويجعلَنا بهذا الوباء أقربَ إلى الله من سائر الأيام. ومن أعظم القُرْب، الإكثارُ من الصيام قبل رمضان، فلعل الله َيجمع لنا فيه وفي شعبان أَجْرَيْن: أجرَ الصيام الواجبِ والمستحبِّ، وأجرَ الصبر على الوباء الذي جعله الله سببا لنكون له أكثر َقربا، وأشدَّ حُبًّا. فاللهم اجعل شهرَ شعبانَ أيامًا تُعينُنا فيها على العمل الصالح، وتكتب لنا عليه القبول، ونتوسلُ إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، أن ترزقنا الثبات في هذه المحنة، وتَصْرِفَ عنا شرَّها، ونسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت، أن لا يدخلَ شعبانُ وينتهيَ، إلا وقد صرفت عنا وعن بلدنا هذا الهلع، وطردت عنّا هذا الفزع، وربطتَ على قلوبنا، فنؤمن، ونوقن من قبل أن يأتيَنا ما هو أشدّ. وهل نقوى- يا ربنا- على تحمُّل الأشدّ، ونحن العباد المذنبون، الغافلون، النائمون، التائهون، إن لم تتداركْنا برحمتك، وتُنقذْنا من سطوة النفس الأمارة، وتُحِطْنا بعفوك، وتَغْمُرْنا بسترك، وأنت الذي تنظرُ إلى عصياننا وتمرّدنا وعَمْدِنا وسهونا، وتنتظرُ رجوعَنا إليك، وطَرْقَ بابك، والعودةَ إلى رحابك. وأنت تعلم- يا ربنا- كم تاقت الأنفسُ إلى بيوتك التي أُغلقت في وجوه عبادك: أَلِأنهم تلطّخوا بالأوزار؟ وقد يكون الواحد منا يغشى بيوتك، وهو مُثقَلٌ بحقوق الآخرين وحقوقك، فكان الدخول إلى بيوتك كمن دخل من باب وخرج من باب، لا أثرَ للوقوف بين يديك، وأنت الذي أردتَ للصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأردتَ لذِكْرِكَ فيها أن يكونَ أكبرَ، فهل انتهينا عن هذيْن؟ وهل كنّا نذكرُك ذكرا كثيرا، صِدقا وعدلا ؟ أم لازلنا ننتشي، أننا أصحاب “فضْل وقدر” من دون الناس، لأننا “عرفناك” حقيقة قبل معرفة غيرنا ؟ يا لَلغرور. وأين نحن من “حلاوة” إيمانٍ خِلْناها تداعب القلوب، فاكتشفنا أنها حيةٌ من حيّاتِ السَّحَرة التي خُيّل إلى موسى أنها تسعى. وهل العبادة في المنزل كَمثلها في بيوتك؟ وهل مناجاتك في بيوتك كَمثلها في غيرها ؟ الآنَ يا ربنا، أدركنا أننا كنا على شفا جُرُفٍ من الضياع، فأردت-وأنت الرؤوف الرحيم- أن تقرع الأسماع، وتفتح الأعين، وتهزَّ القلوب، قبل فوات الأوان، قبل “أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّه”، وقبل أن يأتي” يومٌ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا َبُنُونَ إِلَّا َمْن أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”. فهل يكون هذا الوباء نذيرا لنعود إلى النفس فنُشَرَّحَها، وإلى القلوب فنَفتحَها، ليس كما يفعلُ الطبيب مع قلب مَفتوح ليخلّصَه من تجمُّد الدم في شرايين القلب الدقيقة، وإنما نفتح القلوب للبحث فيها عن داء عضال غير مرئيٍّ، -كما لا يُرى هذا الوباء-، للبحث عن أدواء متعدّدة الأعراض، من قبيل الهوى، والحقد، والحسد، والضغينة التي استوطنت قلوبنا طويلا، ولم ننتبهْ إليها، أولم نأبَهْ بها ، فتعايشنا معها، ولم نكلّفْ أنفسنا أنْ نجدَ لها دواء، حتى فاجأنا الوباء، فارتعدت فرائصنا، واضطربت أحوالنا، وبين عشية وضحاها، تغيَّر كلُّ شيء فينا،- ونحن في حَجْرٍ إلزاميٍّ-: صِرْنا نتحسَّسُ الجسد، ونسألُ عن مناعة الجسد، ونتفقّد البنتَ والوَلد، ونتقصّى أعداد من أُصيب ومن فُقِد، ونتوقّى العدوى من أيِّ أحد، ولو مِنْ والد وما ولد . يا أالله! هل كان ذلك مما يُتصوَّر، أن يحتاط الناس من أقرب مقرّبيهم ؟ ألهذا الحد ؟ لو كنا نحتاط للجسد كما نحتاط للروح، للغيب، للعالم الآخر، للقاء رب العالمين لحقّ لنا أن نقول: ” لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا”. أما ولأننا من أحباب الدنيا لا من طلاب الآخرة، من عُبّاد الفانية لا الباقية، فقد نالَنا ما نال سائرَ الناس. فاللهم إنا نرجوك- في اللحظة التي يُرفع الأذان- ونحن مع العجز عن الإتيان، وفي النفس حسرة ولوعة- نقول: اللهم هذا إقبالُ ، ليلك وإدبارُ نهارك وأصواتُ دُعاتك، فاغفر لنا ما علِمنا وما لم نعلم، وذكّرنا ما نسينا، وعلّمنا ما جهلناً، وألهم قلوبنا السداد والرشاد، واصرف هذا البلاء، عنا وعن سائر الخلائق، فقد رحل خلقٌ كثير، وضاقت الأرض بجمعٍ كبير، فمَنْ لنا غيرُك فندعوَه، ومن لنا سواك فنرجوَه، أنت ربُّنا وربُ المستضعفين، وربُّ الخلق أجمعين، تَداركْ برحمتك خلْقك أجمعين. ويا ربنا، هذا شعبانُ رسولُ رمضان قد حَلّ، وهذا شهرٌ يغفل عنه الناس ، فهل نظلّ عنه في غفلة ساهون، أم نُهرَعُ إليك بالصوم والبذل والعفو والتوبة، لنُريَك-يا ربنا- أننا- فعلا-على أفعالنا نادمون، ومن غفلاتنا متبرِّءون، ومن تمرُّدنا متخلّصون، وللأسباب المُنْجية من العقاب آخذون، فلا تؤاخذنا بأفعالنا. ولا عزاء لنا إلا أن نلجأ إليك كما فعلَ ذو النون ” إذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أنْ لا إلَهَ إلاَّ أنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ فَاسَتَجَبْنَا لهُ ونَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وكَذَلِكَ نُنْجِ المؤمِنِينَ”. فاللهم استجب لنا كما استجبت لنبيك ، واكشف ما بنا من ضُرٍّ وغَمّ، وأصلِحْ لنا شأننا كلَّه، ولا تَكِلْنا لأنفسنا طَرفةَ عين.
وصلى الله وسلم على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كمال الدين رحموني

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock