أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

وصول تعويضات بعد ما يقارب خمساً وثلاثين سنة من الزمن..!

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

المختار أعويدي
فوجئت صبيحة هذا اليوم بمبلغ مالي انضاف إلى حسابي البنكي، يعادل ما يقارب معاش شهر ونصف.. لم أحفل به بتاتا ولم أبال. لم يطل تفكيري كثيرا كي أعرف مصدره ومبرر إيداعه. فهو في الحقيقة يمثل مستحقات لي – ولكثير من الزملاء الأساتذة الذين هم في مثل وضعيتي – على كاهل الدولة، تعود إلى ثلاثة عقود ونيف من الزمن، تتعلق بتعويضات يومية عن المدة التي قضيناها في التدريب والتكوين بالمدرسة العليا للأساتذة. كان من المفروض أن تصرف في أوانها، أي خلال سنوات التكوين بدءا من سنة 1990. بل إن هناك أفواجا كان ينبغي أن تصرف لهم حتى قبل هذا التاريخ بسنوات طوال إن لم أقل عقودا، تعود إلى بداية الإستقلال.
تم إيداع هذا المبلغ التافه جدا الذي تم تقزيمه بشكل مجحف كبير غير مبرر من طرف الوزارة، بعد مسلسل طويل من الإحتجاج والإجراءات والرحلات المكوكية، من وإلى مصالح الوزارة بالعاصمة. تم إيداعه “حسي مسي” حتى من دون إخبار أو اعتذار..
بقدرما لم أحفل بهذا الفتات التافه، الذي جاء متأخرا عن أوانه بشكل كبيييييير جدا جدا جدا (33 سنة بالتمام)، بقدرما انتابني حزن شديد وألم غامر، لحجم العبث والإستهتار الذي كشفت عنه الوزارة والدولة في التعاطي مع هذا الأمر، ومستوى لامبالاتهما بمصالح مواطنيهما وموظفيهما، وتحديدا رجال تعليمهما. وتماطلهما في معالجته. حتى قد أحيل أكثر المستحقين من المتضررين منهم على المعاش، بل وقضى بعضهم الآخر وانتقلوا إلى جوار بارئهم، قبل أن يتمكنوا من الحصول على مستحقاتهم المجهضة هذه. بينما ظل مبرر التسويف غير المقبول، الذي أوصل الأمور إلى هذه المهزلة غير المسبوقة، التي لم تشهد مثيلا لها، حتى أكثر الدول بؤسا وعبثا وهضما لحقوق مواطنيها.
‏ظل مبرر التسويف في البداية ومنذ استقلال البلاد، هو التحايل على فئة من الموظفين الملتحقين بمراكز التكوين، بعدم تفعيل القانون الذي يقر هذه التعويضات لفائدتهم، بل وإخفائه والسكوت عنه وعدم إشهاره. وبعد افتضاح أمر هذا القانون بالصدفة، قبل ما يقارب عقدين من الزمن، من طرف أساتذة مستفيدين من التكوين بأحد مراكز التكوين، وانتقال أمر تفعيله إلى أروقة المحكمة الإدارية، التي أقرت ضرورة تسوية الدولة لحقوق المستفيدين. اصبح المبرر الذي يتم إشهاره من طرف المسؤولين، لتسويغ تلكئهم وتماطلهم في تفعيل مضامينه، هو ضعف السيولة المالية اللازمة، لتسوية هذا الملف العالق منذ استقلال البلاد دفعة واحدة. هذا في الوقت الذي يتم فيه هدر المال العام في صرف الريع يمينا وشمالا بكل صوره لغير المستحقين.. كما لو أن قدر هذه الفئة من موظفيها دائما، هو تحمل أعطاب سياساتها اللاشعبية المتعاقبة.. وعليه، فقد تم تقسيم أفواج المتضررين إلى أشطر عديدة، يتم تسوية حقوقها في هذه التعويضات البئيسة بالتتابع عبر سنوات طويلة. قبل أن يتم اتخاذ قرار غير مسؤول وغير مبرر، يقضي بحذف هذا القانون نهائيا وإبطال مفعوله. وبالتالي حرمان العديد من أفواج الأساتذة الملتحقين بعد ذلك بمراكز التكوين المختلفة لأجل استكمال تكوينهم.
إن من عجائب الحكومات التي تعاقبت طوال هذه المدة التي استغرقها السكوت عن هذه التعويضات المشؤومة أولا، ثم بعد ذلك صرفها، هو أنه بقدر تلكئها وتسويفها وتماطلها في صرف هذه المستحقات لأصحابها في وقتها، بقدر مبادرتها وتعجيلها حينما يتعلق الأمر بتنفيذ مختلف الإقتطاعات من أجور موظفيها، ومن ضمنهم هؤلاء المتضررين، وخاصة منها الإقتطاعات المتعسفة، من قبيل الإقتطاعات عن أيام ممارسة حق الإضراب المنصوص عليه دستوريا.
حقا إن من عجائب وغرائب حكوماتنا المحترمة المتعاقبة، و”حرصها الكبير” على حقوق مواطنيها، أن تلزم بعض موظفيها في قطاع التعليم، على الإنتظار لمدة ثلاثة أو أربعة عقود من الزمن، حتى تمكنهم من الحصول على مستحقاتهم من التعويضات اليومية عن مدة التدريب التي قضوها بمراكز التكوين. أو بالأحرى وبلغة أوضح، حتى تمعن في التنكيل بهم، وجعلهم ينتظرون وينتظرون وينتظرون وصول هذه التعويضات الهزيلة المبتورة، حتى يتسلل إليهم الملل والقنوط واليأس، ويدرك التقاعد أكثرهم، لا بل وينتقل كثير منهم إلى عفو الله، ويفعل التقادم والتضخم فعلته في إفراغ هذه التعويضات من قيمتها وقدرتها الشرائية التي كانت قبل أربعين سنة. ومن سخرية القدر أن الكثير من المتضررين قد انتقلوا إلى عفو الله ورحمته، وهو ما يعني تكبد ذوي حقوقهم من بعدهم عناء الركض خلف هذه التعويضات البئيسة التي قد تأتي أو لا تأتي، وقيامهم برفع دعاوى قضائية للمطالبة بهذه المستحقات، مع ما يستوجبه الأمر من مصاريف صناديق المحكمة وتنصيب محامين للترافع باسمهم. بما يعني في نهاية المطاف – ومن باب المؤكد- عزوف أكثريتهم عن مطاردة وهم هذه التعويضات/المهزلة، بالنظر لما يتطلبه الأمر من كلفة ومصاريف مالية، تتجاوز قيمتها الفعلية بأضعاف. وبالتالي انتقال هذه التعويضات إلى دروب وصناديق لا يعلمها إلا الله.
إن تجربتي كواحد من الطلبة/الأساتذة بأحد مراكز التكوين المتضررين من هذا الأمر، قد شربت كؤوس العلقم والحنظل في رحلة سيزيفية استغرقت سنين عددا، من أجل الحصول على هذه التعويضات البئيسة. ابتدأت برحلات مكوكية من وإلى مصالح الوزارة بالعاصمة، ثم منها إلى المدينة التي يوجد بها مركز التكوين. وذلك لأجل الحصول على الوثائق التي تثبت استحقاق هذه التعويضات. قصد الإدلاء بها لمصالح نفس الوزارة التي تمنح وثائق الإستحقاق هذه. يا له من عبث وعار واستهتار.. حتى قد مللت وسئمت من الأمر وانصرفت حتى عن التفكير فيه. ولذلك أجدني اليوم غير آبه ولا مبال بوصول هذا الفتات/التعويضات بعدما يقارب ثلاثة عقود ونصف. لا بل قد حركت في نفسي من جهة، الكثير من الغضب والسخط. ومن جهة أخرى الكثير من الأشجان والأحزان لطريقة تدبير الأمور من طرف الحكومات المتعاقبة في هذا البلد العزيز، في تعاطيها مع الموارد البشرية لقطاع التعليم، بما يؤكد إصرارها على إذلالهم وزرع بذور اليأس في نفوسهم، ولعمري أن هذا الأسلوب هو إمعان في ضرب المدرسة العمومية والإجهاز على رسالتها. في وقت لا يخفى فيه حال هذه الأخيرة ومستوى ترديها على أحد..!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock