أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

صحوة ضمير مستوطن يهودي بفلسطين المحتلة

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

 

المصطفى حميمو
كنت أعتقد أن كل ظالم يعلم جيدا في نفسه أنه كذلك لمجرد أنه لا يقبل بأن يكون مكان ضحيته. صحيح، لكن ليس على الإطلاق. فمن يتتبع تاريخ البشرية في مختلف أنحاء المعمور، قديما وحديثا، سيجد أن العنصري لسبب مّا عرقي أو قومي أو ديني وحتى اجتماعي، يعتبر غيره من البشر مخلوقات دون طينته. ولا يشعر بأنه هو الوحش في مرتبة أسفل بكثير من مرتبة باقي البشر الذين يحتقرهم. وكلما حانت الفرصة المواتية يدوس عليهم برجليه كما يدوس على الحشرات ولا يبالي، بل وهو ينتشي بذلك مع الافتخار بفظاعة صنيعه.
وقد تبين لنا بكل وضوح هذا الأمر الشنيع في هذه الحرب على غزة وعلى أهلها الصامدين المحتسبين، من بعد ما أن تم استئناسنا نحن ببؤسهم ومحنهم اليومية أكثر من سبعة عقود، فصرنا نشعر بالذنب من ذلك. إبادة بكل معنى الكلمة ورأي العين وفي واضح النهار. وليست فقط من دون رحمة بل بمتعة مع العزة بالإثم. ولهذا فالعنصريون في كل زمان ومكان مع كل من يساندهم هم يولدون بشرا ثم ينشؤون في أسرهم وبيئاتهم وحوشا.
وقد يوجد من بينهم من يصحو يوما ضميره فيعود لرشده ولبشريته. وهذا ما لاحظناه هذه الأيام من بين المستوطنين اليهود في فلسطين على قلتهم، ومن بين الغربيين المساندين لهم. ولإن كان الثمن الذي دفعه الفلسطينيون في مقابل ذلك باهظا جدا. فصرنا نرى على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في بعض القنوات الغربية من يجرأ على إشهار صحوة ضميره. فنتأثر نحن بمصداقية وشجاعة الكثير منهم. ونجد في اعترافاتهم مواساة لأنفسنا بالنظر لتصريحات البقية المتوحشة التي تصيبنا بالغثيان فلا نطيق سماعها مرة أخرى. واتضح أنه يوجد من بين أولئك التائبين من يضطرون لكتمان صحوة ضمائرهم خوفا من أن تطالهم وحشية ألسنة وأيدي دويهم وقومهم من العنصريين.
ومن بين تلك الشهادات الجريئة أعجبتني كثيرا شهادة أحد اليهود المستوطنين بفلسطين المحتلة، صحا ضميره من بعد ما تربّى وترعرع في حضن بيئة عنصرية طيلة خمسة عقود، أبى إلا أن يصدح بالحق وهو يتحدى ويفتخر. فنشرها على الإنترنت في فيديو باللغة الفرنسية تحت عنوان Un juif ashkéno-séfarade se désolidarise de ce qui se passe à Gaza. وبالنظر لما وجدت فيها من مواساة للنفس المتألمة، يطيب لي في هذه الورقة مشاركتها مع غيري. فيها حجج قوية ودامغة على وحشية المستوطنين الصهاينة. وإليكم ما جاء فيها بشيء من التصرف اللازم لترجمة كل خطاب مسموع إلى خطاب مكتوب.
يقول هذا اليهودي التائب أنه قد سئم من تكرار سماع مقولة “إسرائيل تدافع عن نفسها”، وأن “إسرائيل تقاتل من أجل بقائها”. ويعتبر بزعمه أنها دافعت عن نفسها من أجل بقائها أمام الجيوش النظامية الأخرى في عامي 1948 و1973. ثم يقول “هذا الخطاب المتمثل في الدفاع عن بلد يتعرض باستمرار لخطر مميت قد أصبح محض هراء. ففي المواجهة مع الفلسطينيين، لا يصح من إسرائيل أن تتقمص دور المدافع عن النفس، ولا سيما أنها قد بقيت تُهيمن عليهم إلى حد كبير مدة ستة وخمسين سنة”. ولست أدري كيف حسب تلك المدة، مع العلم أن مأساة الفلسطينيين قد دامت حتى اليوم أكثر من خمس وسبعين سنة.
ثم يتساءل قائلا وبحق “هل كانت الدولة الألمانية تدافع عن نفسها ضد المقاومين الفرنسيين؟ وهل كانت تدافع عن نفسها ضد 300.000 يهودي متمرد في حيهم بوارسو ثم كان مصيرهم الإبادة الكلية تقريبًا؟ وهل كانت فرنسا نفسها مهددة من قبل مقاومة جبهة التحرير الوطني الجزائرية؟ لا! وأبدا لا!”
.

ثم يسترسل متسائلا “فهل تدافع إسرائيل عن نفسها في الضفة الغربية عندما يحمي جيشها المستوطنين المتطرفين الذين يرتكبون جرائم في حق الفلسطينيين لما يسرقون أراضيهم عن طريق اقتلاع أشجار الزيتون؟ وفي حلبة الملاكمة هل الذي يدافع عن نفسه هو من يسدد اللكمات أم الذي يحاول مراوغتها؟”. ثم يؤكد أن مثل هذا الخطاب الدفاعي لا يؤدي إلا إلى غسل أدمغة اليهود في جميع أنحاء العالم ودفعهم إلى النوم ليلاً بضمير مرتاح مع غض النظر عن الفظائع التي يرتكبها هذا الذي يوصف بالمدافع عن نفسه. ولكن الأسوأ من ذلك على حد قوله، هو أن هذه الدعاية المضللة قد سمّمت بشدة وسائل الإعلام الفرنسية التي لا تزال تكرر باستمرار أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها

.

ونسي هذا المستوطن الثائب أو تناسى أن الإعلام الغربي يقع تحت السيطرة الكاملة للصهاينة، كما تكشف ذلك بكل وضوح منذ أول أيام الحرب على غزة. وأتى هو بنفسه في شهادته على ذلك بمقاطع فيديو لمختلف القادة الأوروبيين المساندين لرَدة الفعل الوحشة لإسرائيل فور حصول ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي. كلهم خرجوا في وقت واحد يقرأون بصوت واحد نفس البيان المندد بأشد العبارات بما حصل في السابع من أكتوبر مع التصريح بحق إسرائيل في الدفاع على نفسها حتى تشرع بكل اطمئنان في تدمير غزة وتقتيل وتجويع أهلها بقصد تهجيرهم منها مرة أخرى واختطافها والاستيطان فيها.

ومع خروج المظاهرات في عواصمهم وكبريات مدنهم لمساندة ضحايا العدو الغاشم كان لا بد لأولئك القادة من امتصاص غضب شعوبهم بالخروج بتصريحات تنتقد على استحياء ذلك الدمار الهائل وتلك المجازر البشعة. لكنهم من شدة خوفهم من الصهاينة كانوا ولا يزالون حتى اليوم يبدؤونها بنفس التنديد بما حصل في السابع من أكتوبر مع التصريح بحق العدو في الدفاع عن نفسه. ومن تجاهل منهم تلك المقدمة يتم توبيخه كما حصل مع كل من رئيس وزراء إسبانيا وبلجيكا من بعد الأمين العام للأمم المتحدة نفسه الذي طلب منه مندوب العدو بالاستقالة.


ثم يقول نفس اليهودي الثائب أنه تحت وطأة تلك الدعاية المضللة في وسائل الإعلام مهما تم تمرير من مقاطع فيديو لأمهات فلسطينيات يبكين على أطفالهن المقتولين فإن هذا الخطاب الدفاعي من شأنه أن يروج لتلك الفظائع على أنها مجرد أضرار جانبية بسيطة، أو إلى ما هو أسوأ من ذلك، لما تُعتبر مجرد خسائر جانبية لا بد منها للتغلب على رجال حماس. أولئك الرجال المختبئون في الأنفاق تحت الأنقاض، على حد قوله، وهم ينتظرون بهدوء مرور المشاة الإسرائيليين لقنصهم. ثم يقول أنه باعتباره يهوديًا يبلغ من العمر خمسين عامًا، وعلى الرغم من روابطه العاطفية مع إسرائيل، فقد تطلب الأمر منه وقتًا طويلا لتفكيك هذه الدعاية التي يتقمص فيها دور الضحية بلد سيظل دائمًا على حافة الهاوية.
فإسرائيل في نظره وبحق، ليست في موقع دفاعي ضد الفلسطينيين لأنهم أدنى منها عسكريا مليون مرة. ثم يقول “لكي تكون كذلك بالفعل، سيتعين على الفلسطينيين أن يندفعوا مثل تسونامي إلى تل أبيب وحيفا ونتانيا وأورشليم أو وبوشيفا”. ثم يتساءل قائلا “فهل اندفع مليون من سكان غزة إلى إسرائيل مؤخرا عندما هدّمت حماس واقتحمت جدار سجنهم المفتوح؟ بالطبع لا! وبالطبع كان قلبي مرعوباً من مجازر المدنيين في 7 أكتوبر على هذه الأرض التي ترقد فيها أمي المسكينة”.
ويجهل هذا اليهودي أو يتجاهل ما أسفر عنه تحقيق إسرائيلي من أن شرطة الاحتلال هي التي ارتكبت تلك المجازر في حق المستوطنين لقتل من تبقى من بينهم من رجال كتائب القسام. وتجاهل أن أمه وغيرها من المستوطنين الذين جاؤوا من خارج فلسطين قد عاشوا ودُفنوا في أرض أصحابها الفلسطينيين من بعد اختطافها وانتزاعها منهم بقتلهم وتشريد من تبقي منهم في غزة وفي الضفة وبمختلف مخيمات اللجوء بالأردن وسوريا ولبنان. فصحوته ليست مكتملة. ثم يقول “ولكنني أكرر أيضًا أنه لا يوجد تهديد وجودي لإسرائيل من بضعة آلاف من رجال حماس، الذين لا يشكلون سوى كتيبة صغيرة مسلحة ومصممة على المقاومة من بين الجسم الفلسطيني بأكمله”. هكذا يتحدثون عن حماس وكأنها جسم غريب وأبطالها أجانب جاؤوا من خارج الشعب الفلسطيني. تضليل من بعد أن صار جل الفلسطينيين حمساويين وهم مفتخرون بذلك. جل بل كل المنتفعين من تبادل الأسرى هذه الأيام من الضفة المحتلة وليسوا من غزة التي طردت المحتل منذ 2007.
ثم يقول “لا بد من تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية. فبالنسبة للفلسطينيين لم تكن إسرائيل في موقف المدافع عن نفسه منذ فترة طويلة جدًا. وهي حاليا الظالمة. وباعتبارها المهيمنة، فهي التي لديها القدرة على صنع السلام من عدمه مع هذا الخصم الذي ظل يناضل لفترة طويلة من أجل أن يتم اعتباره جزءا من الإنسانية”. ويعترف هذا اليهودي الثائب بالظلم الواقع على الفلسطينيين لمدة أكثر من سبعة عقود لما يقول “إن حكومة نتانياهو الإجرامية تنتهج في واقع الأمر سياسة التطهير العرقي. وهي تحقق بالفعل 90% من متطلبات النظام الفاشي”. لست أدري كيف حسب ذلك. فلما لا 100%؟ ثم يسترسل قائلا عن المجرم نتانياهو “لكنه يريد في الوقت نفسه أن يبدو وكأنه ضحية حتى تسير الأمور الفظيعة بسلاسة. فهذا هو كل ما في الأمر. وكل من لا يريد رؤيته والاعتراف به فهو بكل بساطة إما حمار أو منافق”. هكذا.
ثم يخاطب بقية المستوطنين اليهود بفلسطين المحتلة قائلا “ومن لا يريد منكم أن يعترف بأنه يهودي فاشي، فلا بأس. وإذا كان يريد إهانتي متهما إياي بخيانة الأمة، فلا أبالي به، وليس لدي ما أشترك فيه معه سوى هذه الحروف الأربعة “juif” وكون القلفة “prépuce” مقطوعة. وأفضل مرة وعشر مرات وحتى ألف مرة أن أكون ذلك الخائن الذي يشار إليه بالإصبع على أن أكون ذلك الوحش الذي يغني ويرقص على جثث الآلاف من الأطفال الأبرياء، والذين ليست لديهم قيمة عنده أكبر من قيمة حيوانات يذهب بها إلى المسلخ”.
ويختم خطابه لبقية المستوطنين بقوله “ولكن أنا الخائن الذي يتحدث مع ذاك الوحش، أعلم أنه في النهاية لن يكون هناك شعب أو أمة. فلن يكون هناك سوى رجال من البشر في صف ووحوش في صف ثاني. وسيتعين حينها على هؤلاء الإجابة واحدًا تلو الآخر أمام الله عن سواد ظلمة قلوبه وعن الدماء التي لطخ بها يديه. وإذا وافقهم حينها إلهُهُم على ما ارتكبوه من جرائم، فليس ذلك هو الله، بل هو الشيطان الذي ظلوا يصلون له من الصباح إلى المساء. وهذا على أمل أن يجد ذلك الضال يومًا ما طريق العودة إلى الإنسانية. شالوم”.
فأمثال هذا اليهودي التائب وغيرهم من الوحوش، هم ممن قال الله تعالى في حقهم: “إنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا”. وتوعد صنف المسيئين لأنفسهم بقوله “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا”. هكذا الفلسطينيون، حيث ما وجدوا وعبر أجيال متلاحقة أبانوا على أنهم ليسوا من الشعوب التي تبيدها الوحوش العنصرية مهما طال زمن احتلال أرضهم ومهما اشتد اضطهادهم. ولن ينتظروا توبة بعض المستوطنين كي يستردوا حريتهم واستقلال بلدهم. فقد اتضح أن كل جيل منهم في غزة والضفة كان أشد مقاومة ووطأة على العدو. من بعد جيل أطفال الحجارة جاء جيل صواريخ القسام والمقذوفات الخارقة للدروع. ومن ورائهم الحاضنة الصابرة والمحتسبة والمؤمنة حقا بقوله تعالى “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”. الأمر الذي تأثرت بها فئات من الشعوب الغربية من بعد ما تعودت معاداة العرب والمسلمين بفعل الوحش الصهيوني المسيطر على وسائل الإعلام عندهم. فمن حرق القرآن هنا وهناك إلى شرائه لقراءته بحثا فيه عما يفسر صبر الغزاويين على ما شاهدوه مما لحقهم من تقتيل وتجويع وتدمير مدة شهر ونصف.
ومسيرة المقاومة في تصاعد مطّرد. الأمر الذي تتصاعد معه وحشية العدو، لما يفكر في لعنة العقد الثامن. فالمستوطنون واعون بخيبة مسعاهم من حيث هم الوحيدون من دون غيرهم على وجه الأرض الذين يتكلمون عن خطر زوال كيانهم المغتصب لأرض فلسطين. وقد تيقنوا من أنه حقا أوهن من بيت العنكبوت لما صاروا يتحدثون عن الدفاع عن النفس أمام قوة المقاومة الأقل من قوتهم مليون مرة، كما قال هذا اليهودي الثائب. وقد طار عقلهم لما تفاجأوا ووجدوا أنفسهم محاطين شمالا بامتداد المقاومة بلبنان وسوريا والعراق وجنوبا باليمن. مقاومة من ظلوا يتفنّنون في استفزازهم واستعدائهم بتحرشهم بالمقدسيين وبحرمة مسجد الأقصى. فهم بتصعيد وحشيتهم ضد الفلسطينيين لا يشعرون أنهم يسيئون لأنفسهم وهم يدقون آخر المسامير في نعش كيانهم الغاصب أمام المقاومة التي اتضح لهم أنه لا قِبل لجيشهم العرمرم بها بالرغم من كل الدعم المالي والعسكري الأمريكي. فمصيره المحتوم هو كمصير المستعمرة التي دامت مدة 130 سنة حتى صارت تُعرف بــ “l’Algérie française”. ثم فنيت تحت ضربات المقاومة وعادت أخيرا الأرض لأصحابها الشرعيين. فلا بد إن شاء الله وبحوله وقوته من أن تعود فلسطين كل فلسطين لأصحابها الشرعيين. “وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock