أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

في الحاجة إلى تأطير الإلتراس!

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

اسماعيل الحلوتي

ما من شك في أن الألعاب الرياضية عامة وكرة القدم بشكل خاص، هي عبارة عن مجموعة من الأنشطة الذهنية والبدنية الفردية والجماعية المعتادة، التي تتطلب توفر مهارات متعددة لدى مزاوليها، وأن تمارس داخل القوانين المتفق عليها. ثم إنها فضلا عما لها من فوائد صحية كثيرة ومتنوعة، وعن الجانب الترفيهي وما تخلقه من فرجة ومتعة للاعبين أنفسهم والجماهير الرياضية، فهي تهدف كذلك إلى تقوية الثقة بالنفس وتهذيبها، تنمية الروح الرياضية، تطوير الذات والمكتسبات، التحلي بالقيم الأخلاقية والانضباط، وتحقيق تنافس شريف بين الأشخاص والأندية الرياضية…
وفي لعبة كرة القدم الأكثر شعبية في العالم، ازداد شغف الجماهير الرياضية بحضور المباريات في الملاعب إثر ظهور ما يعرف بالإلتراس، التي بدأ تبلورها على مدرجات ملاعبنا الكروية منذ عام 2005، بالنسبة للغريمين الرياضيين العريقين “غرين بويز” في الرجاء و”وينرز” في الوداد بمدينة الدار البيضاء، ثم أنه في عام 2006 تأسس “الكريزي بويز” في مدينة مراكش، لتنتشر بعد ذلك هذه الظاهرة “الإلتراس” خلال السنوات الموالية في باقي الأندية المغربية بالمدن على امتداد التراب الوطني، حتى أن المهتمين بالشأن الرياضي المغربي يقدرون عدد جماهير الإلتراس بأكثر من مليون مشجع على الصعيد الوطني وخاصة في المدن الكبرى، حيث ارتفاع الوعي لدى هذه المجموعات أو الحركات الاجتماعية.
وتكمن قوة هذه المجموعات أو الحركات الاجتماعية في كونها تتشكل من شباب من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، وتهدف إلى مناصرة وتشجيع فرقها الرياضية، ويجعلها التحامها حول أنديتها الرياضية ملتئمة فيما بينها داخل تكتل واحد قوي ومنسجم، إلى جانب أنها تتميز بمستوى وعي سياسي مرتفع، حتى باتت قادرة على التعبير أحيانا عن حالة الاستياء والتذمر التي يعيش على إيقاعها المجتمع المغربي، جراء غلاء الأسعار وارتفاع معدلات البطالة والفقر وتفشي الفساد وغيره، ومن أبرز مبادئها “نكران الذات”، “الاندماج في الجماعة” بغرض تحقيق روح الفريق الواحد، وتتخذ من مدرجات الملاعب الرياضية منابر إعلامية للإعراب عن مشاعرها ومطالبها، ولاسيما في ظل تراجع دور الأحزاب السياسية في تأطير المجتمع وغيرها من المؤسسات التي كانت إلى زمن قريب تلعب دور الوسيط.
فالإلتراس بفضل ما ترفعه من شعارات قوية وتقدمه من أغان وصور ولوحات إبداعية راقية، عبر “التيفوات” الفنية المنتقاة بدقة وذات أفكار عميقة، أوصل إنجاز بعضها إلى العالمية بعد أن احتلت مراتب متقدمة في الترتيب العالمي للإلتراس، كما هو الشأن بالنسبة لألتراس “وينرز” المساندة لنادي الوداد الرياضي البيضاوي و”غرين بويز” الداعمة لنادي الرجاء الرياضي البيضاوي، أصبحت اليوم قوة ضاربة في الميادين الرياضية والمكاتب المسيرة، باعتبارها الدينامو الذي يحرك اللاعبين أكثر من المدرب في اتجاه مضاعفة الجهد من أجل تحقيق الفوز وفي ذات الوقت خلق المتعة والفرجة الكروية.
بيد أن ما يحز في النفس أن هذه المجموعات التي اجتمع المنتمون إليها في وقت سابق على حب أنديتهم الرياضية والحرص على تشجيعها دون كلل أو ملل، والتضحية بالغالي والنفيس من أجلها ومرافقتها في حلها وترحالها، لتقديم الدعم لها ومناصرتها، يوحدهم في ذلك لونها والوفاء والولاء لشعارها وحس الانتماء، ومواثيق أخلاقية كثيرة، تدفع بهم نحو تحفيز اللاعبين وتشجيعهم بأرقى الأساليب، قصد الرفع من معنوياتهم وإثارة الحماس في نفوسهم، بعيدا عن الكلمات الساقطة والجارحة التي من شأنها تثبيط عزائمهم، سرعان ما زاغ بعضها في المدن الكبرى بصفة خاصة عن السكة الصحيحة، بعد أن تسرب إليها عدد من المنحرفين والجانحين وذوي السوابق العدلية، الذين يجعلون من الرياضة مطية لممارسة الشغب والعنف، ليس فقط داخل الملاعب الرياضية، بل حتى خارجها في محيط تلك الملاعب والشوارع الكبرى، والأفظع من ذلك ما بتنا نشاهده من معارك دموية في الأحياء الشعبية بين مناصري الغريمين التقليديين الوداد والرجاء البيضاويين.
وهي المعارك التي تندلع أحيانا حتى أثناء توقف مباريات البطولة الاحترافية، وطالما أقلقت راحة الساكنة البيضاوية وبثت الرعب في نفوس الأسر التي تتخوف عن بناتها وأبنائها، مخلفة وراءها ضحايا كثر من الجانبين، ناهيكم عن الإصابات المتفاوتة الخطورة والاعتقالات، مما يؤدي إلى طرح عديد الأسئلة حول هذه الظاهرة والمقاربة الأمنية والتأطيرية. فأين نحن مما يدعيه بعض عناصر الإلتراس من كونهم حركات اجتماعية ينحصر دورها في تعميق ما يطلق عليه حب الانتماء، الذي ليس سوى التشجيع والوفاء لألوان فرقهم ونبذ العنف بمختلف أشكاله داخل الميادين الرياضية وخارجها؟
إن الإلتراس ليست فقط مجموعات مناصرة لفرقها الرياضية، بل هي ثروة بشرية هائلة، يتعين على القائمين على الشأن الكروي في بلادنا العمل بكل حس وطني وروح المسؤولية على حسن استثمارها في الاتجاه الإيجابي، حتى تكون قادرة على الإسهام بفعالية في تطوير مستوى اللاعبين والأندية الرياضية، ولاسيما أن بلادنا مقبلة على احتضان فعاليات كأس العالم 2030 في ملف مشترك مع كل من إسبانيا والبرتغال. وعلى الأندية الرياضية أن تقوم بدورها في تقديم الدعم اللازم لمناصريها من الإلتراس على مستوى التأطير والتوجيه واحترام حقوق الغير والتمسك بالأخلاق الفاضلة والروح الرياضية العالية.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock