أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

ما هكذا يا مقاطعة سايس، فاس تورد الإبل

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

بقلم: إدريس الواغيش

في غياب بنية تحتية تناسب حجمها الحضاري، لا عجب أن تتحول فاس قريبا من مدينة ضاربة في عمق التاريخ، هي التي اشتهرت بحدائق “جنان السبيل” إلى بادية كبيرة. بدوَنتها بدأت منذ مدة طويلة، ولم تنته بعد، ولا زالت جارية على قدم وساق، ولا داعي إلى الدهشة، إن تحولت في القريب العاجل إلى بيداء كبرى، لا جنان فيها ولا خضرة أو أشجار.
لا عجب في زمن العجب، عملية التشجير تتم بشكل بطيء، ما مات من أشجار لا يتم تعويضه، وما يغرسه المواطنون أمام منازلهم من ميزانياتهم، يأتي أشباه المسؤولين ويجهزون عليه. لأنهم لا يعرفون لسذاجتهم أن الشجرة نعمة، شكل من أشكال الحياة، ومصحة من دون حاجة إلى أطباء. رغم ذلك، يعادونها “لله في سبيل الله”. بعض المغاربة يختارون أن يصطفوا كأعداء للبيئة، ويتركون للآخرين أن يعدّوا فوائدها ووظائفها، كأنها لا تعنيهم، لأن فكر البدو الرُّحل في الصحراء لا زال يعشش في رؤوسهم، ولأن لاوَعيهم يحنُّ إلى السراب والتصحُّر، وإلى ظل الخيمة وحليب الناقة والماعز. هم يعادون الشجرة وظلها، كما لو أنها تزاحمهم في لقمة عيشهم، ولا يكرهون اقتلاعها من الجذور لكي يرتاحوا، ثم يسارعون بعد ذلك إلى الاحتماء بظلها دون حياء، كلما ارتفعت درجة حرارة أجسامهم أو داهمهم لهيب فصل الصيف.
الذي أعرفه، منذ صغري، أن عملية تقليم الأشجار عند الفلاحين والمزارعين لا تكون عشوائية، وإنما تخضع لمعايير موضوعية، يختارون توقيتا ملائما ومواعيد مناسبة للقيام بهذه العملية، ولم تكن في يوم من الأيام بشكل عشوائي. أكثرية الفلاحين، بشكل فطري، تفضل أن تكون هذه العملية في أواخر فصل الخريف أو فصل الشتاء لاعتبارات خاصة، فما بالك بالجهات المختصة بالتشجير. أما مصلحة التشجير بمقاطعة فاس- سايس فقد كان لها رأي آخر، ارتأت أن يكون شهر غشت الحالي، حيث تعرف المدينة أعلى مستويات في درجات الحرارة، اقتربت في أحيان كثيرة من الخمسين، لكي تقوم بعملية تقليم الأشجار. قوم يرعبهم ربيهم، ويستعجلون صيفهم، في عز هذا الصيف الذي نكتوي بحرارته، وحاجة الإنسان إلى الظل، وتزامنا مع إطلاق المغاربة هاشتاغ: “معا من أجل الشجرة”، يحمل عمال مصلحة التشجير في مقاطعة سايس- فاس، التي من المفروض فيها أن تكون الحامي الأول للشجرة، آلات التقطيع ومناشيرهم وشاحناتهم، ويسخرون المال العام من ميزانية الجماعة، ويحرمون شجرة نارنج من أغصانها وأوراقها بدعوى “مصلحة” الحي وجماليته، والحفاظ على “حق” الشجرة في الحياة، علما بأنهم لم يغرسوها، ولا يصلون إليها إلا مرة واحدة في السنة، لكي ينكلوا بها وبأغصانها. ولكن لا عجب، الطيبون في الغرب المسيحي، الكافر يحبون الحياة، يغرسون الخضرة ويزرعون الجمال في كل مكان، ومتصحّرو الفكر والعقل من الأعراب المسلمين في المغرب الحبيب يحاربون ما يغرسه الطيبون. ويبقى السؤال المعلق مطروحا: متى نصير شعبا يحترم حق الشجرة في الحياة؟ ونصبح بشرا مثل غيرنا من البشر، يعملون على زرع الجمال والخضرة في الكون، لا على إتلافها…؟ ويبقى آخر الكلام، تذكروا أن لربيعكم فصل صيف يتبعه، وأن لهذه الأشجار رب يحميها، “يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ”.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock