أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

تطلعات في ليلة القدر

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

محمد شحلال
تفصلنا ساعات قليلة عن ليلة القدر المباركة التي يستقبلها المسلمون بكثير من الانتظارات ،حيث يأمل المذنبون في التخلص من أوزارهم ،بينما يحلم آخرون في تحقق لائحة طويلة من المبتغيات التي ليست بعزيزة على الله عز وجل حينما تستوفى الشروط.
وبمناسبة اقتراب هذه المناسبة التي نزلت بشأنها سورة من القرآن الكريم،فإني أترك الحال في المدينة يسري على حاله، لأسافر نحو الماضي الطفولي ببلدتنا،حيث كان لليلة القدر شأن آخر.
لم يكن للمسجد حضور كبير بالبلدة قبل عقود خلت،حيث اقتصر الأمر على بعض البيوت التقليدية في الدواوير التي كان فيها،،الفقيه،،يهتم بتدبيج مختلف الطلاسم التي تستجيب لرغبات الأهالي السذج،ونادرا ما كان هذا الفقيه يتولى تحفيظ كتاب الله بسبب عدم انتظام،،المحضرة،،الذين ينتزعهم الآباء من يده للمساهمة في رعاية القطيع ،أو الأعمال المرتبطة بالزراعة.
وهكذا،وباستثناء مدشر،،المقام،،حيث تقام صلاة الجمعة منذ القدم،فإنه لم يكن لصلاة التراويح أثر بين أهالينا المتناثرين عبر ملكياتهم البسيطة.
وعلى الرغم من غياب ،،ثقافة التراويح،،بحكم الواقع،فإن قدسية شهر الصيام ظلت حاضرة في الأذهان،حيث كان الناس يستقبلون الشهر المبارك بتقدير لافت،إذ يتخلص البدو مؤقتا من غلظتهم وصراعاتهم ، كما يهذبون خطاب التواصل بينهم خوفا من قدسية الشهر والتماسا لغد أفضل.
ذلك كان طبع الكبار،أما نحن- معشر الأطفال يومئذ- فقد تمثلنا الثقافة الدينية السائدة بين هؤلاء البسطاء، وهي ثقافة بدون سند،حيث يمتزج فيها المتوارث والخرافي لتصنع منا أشخاصا يبنون عوالم لا يتجاوز صداها أحراش البلدة الغارقة في محليتها.
كان حلول رمضان بالنسبة للصغار يحيي في النفوس طموحا أزليا في أن تنفتح أبواب السماء فجأة ليلة القدر، لتتحقق كل المطالب كما علمنا الكبار،وهي المطالب التي يستحيل تحقيقها في ظل الشروط القائمة بالبلدة التي حسب الناس فيها أن يستمروا في الوجود.
لقد ساد بين الأهالي معتقد لا يقبل الجدل،وهو أن الإنسان المحظوظ بإمكانه أن يتحين فرصة انفتاح باب السماء فجأة، في وقت غير محدد من الليلة المباركة، لتتحقق كل تطلعاته، فيعفى من الكد الأبدي لطلب الرزق ضدا على تحذير الفاروق عمر ض.الذي قال : (لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة).
لم يكن عمر ض.ولا غيره في سجل معارفنا يومئذ،وإنما كنا مقيدين بمقولة الكبار : (أجنا يتار إيمينس ذيلليلت نسبع وعشرين،أتر ما نتخسذ)،والمعنى التقريبي،هو أن،،السماء تفتح فاها للمحظوظ في ليلة القدر ليتحقق له كل ما طلب) !
أذكر أننا هجرنا النوم عدة مرات خلال شهر رمضان المبارك،لكن السماء ظلت مغلقة،ولم يتحقق حلمنا رغم براءتنا وسذاجتتا،كما لم يحصل أن اغتنى شخص ما بيننا فجأة، لمجرد أنه بات يشرئب نحو السماء التي زينها ربنا بمصابيح وجعلها رجوما للشياطين،فهل كنا مشاريع شياطين مرشحة للفساد في الأرض بعد كسب مفاجىء ؟
ما زال الاعتقاد بانفتاح،،أجنا،،قائما بين العديد من أهالينا،غير أني لا أظن بأن هناك بقية ممن يرقبون النجوم ليلة القدر لعل الحظ يبتسم لأحدهم ليفتح باب الأمل أمام غيره.
لا أحد ينكر مظاهر الخشوع والانكسار التي نلمسها في إحياء ليلة والقدر، كما لا تفوتنا مشاهد حجاج بيت الله والأئمة وهم ينمقون الأدعية،لكن لا المسلمون غدوا نماذج بشرية قابلة للاقتداء والتمثل،ولا الأعداء أصابتهم دعواتنا القاسية في مقتل !
تحية لما بقي من قلوب فطرية ساذجة ببلدتنا،وكل الأمل في أن يدرك المسلمون يوما، بأن لاستجابة الدعاء شروطا لم نستوفها لحد الآن،وليلة قدر مباركة إن شاء الله.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock