أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

حتى لا ينخفض سعر السردين!!

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

اسماعيل الحلوتي
لا حديث هذه الأيام الرمضانية بين الناس في البيوت والمقاهي ومقرات العمل وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، إلا عن موجة غلاء الأسعار التي ما انفكت تتصاعد بشكل لافت خلال الشهور الأخيرة، وبلغت ذروتها في هذا الشهر الفضيل رمضان الذي يرتفع فيه حجم الاستهلاك. إذ أنه وفي الوقت الذي سعت فيه وزيرة المالية نادية فتاح العلوي من داخل المؤسسة التشريعية أمام نواب الأمة إلى محاولة تهدئة الجماهير الشعبية المكتوية بنيران الأسعار وامتصاص غضبها، مصرحة بأن الأسعار ستعرف لا محالة تراجعا ملحوظا مع مطلع شهر رمضان.
فإذا بالتكذيب يأتيها من زميلها الوزير المنتدب المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، في أعقاب المجلس الحكومي الأسبوعي يوم الخميس 23 مارس 2023، الذي أعلن عن فشل الحكومة في تحقيق أهدافها في كبح جماح غلاء الأسعار والتصدي للوسطاء والمضاربين…
وجدير بالذكر أن جهات من داخل الأغلبية بما فيها رئاسة مجلس المستشارين وأحزاب المعارضة، سارعت إلى تنبيه الحكومة لما بات المجتمع يعيش على إيقاعه من توتر واحتقان ينذران بالانفجار في أي لحظة وحين، ما لم تبادر إلى التدخل العاجل في اتخاذ ما يلزم من إجراءات كفيلة بإيقاف نزيف الغلاء، وإنقاذ عموم الشعب المغربي من لهيب أسعار المحروقات وباقي المواد الغذائية من خضر ولحوم وفواكه ومنتوجات الحليب وغيرها، وخاصة الطبقات الفقيرة وحتى المتوسطة التي تعد الضحية الأكثر تضررا من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر منها البلاد، على اعتبار أنها هي من تدفع منذ أزيد من عقد فاتورة كل الإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومات المتعاقبة، كما أنها تدفع كلفة فشل القرارات العمومية.
ففي خضم هذه الحمى التي أصابت المواطنات والمواطنين وأنهكت قوتهم الشرائية، وما ترتب عنها من جدل وغليان، خرج والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري للحديث عن التضخم والرفع من سعر الفائدة، لكن سرعان ما انبرى لانتقاده أحمد الحليمي العلمي المندوب السامي للتخطيط، حيث أبى إلا أن يدق أكثر من ناقوس خطر في حوار أجرته معه إحدى الصحف، داعيا الحكومة إلى ضرورة التواصل مع الرأي العام الوطني، ومصارحته بأن ما يحدث من تضخم والتهاب الأسعار، يعود بالأساس إلى أزمة عرض وسوء التدبير والتخطيط، مما أدى إلى شح الموارد المائية وفشل النموذج الفلاحي في توفير الأمن الغذائي للمغاربة، وليس إلى عوامل خارجية من قبيل جائحة “كوفيد -19” ولا الحرب الروسية/الأوكرانية كما يروج له مدبرو الشأن العام في خرجاتهم الإعلامية، حتى يكون الجميع على بينة من الأمر وعلى وعي تام بالإصلاحات اللازم القيام بها، ولاسيما أن الارتفاع القياسي في الأسعار أصبح بنيويا وليس ظرفيا، ويقتضي التعود على مستوياته من الآن.
أمام هذه الظروف العصيبة التي تمر منها البلاد نتيجة أزمة الأسعار التي لا تعرف أي استقرار، لم يعد ممكنا استمرار الحكومة في التملص من مسؤوليتها، والاكتفاء بمحاولة إخفاء الحقائق وتسكين الأجواء، بافتعال الأزمات الوهمية واعتماد الخطب الديماغوجية، سواء من طرف وزير الفلاحة أو اللجنة الوزاراتية المكلفة بتتبع التموين والأسعار أو الناطق الرسمي باسم الحكومة أو رئيسها الذي يدعي بلا خجل أن حكومته أنجزت ما لم تستطع أي حكومة أخرى قبلها إنجازه، ربما يكون الأمر كذلك من حيث تجاوزها فعلا وحشية الليبرالية وفتح أبواب السوق على مصراعيها أمام الريع والمضاربات والاغتناء السريع وغير المشروع…
لقد طفح الكيل بالمغاربة ولم تعد لهم القدرة ليس فقط على مواجهة الغلاء الفاحش، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وهزالة الأجور، بل حتى على مزيد من الصبر والتحمل، وهو ما يؤكده انتشار مقاطع فيديو توثق لحالة الاستياء المفرط التي وصل إليها المواطنون والفلاحون الصغار على حد سواء. وزاد من تذمرهم تداول بعض النشطاء على نطاق واسع لشريط فيديو مستفز، يوثق لعملية تخلص عدة مراكب الصيد البحري من كميات هائلة من السردين في عرض البحر، لا لشيء سوى للحفاظ على سعره مرتفعا، والاستمرار في امتصاص ما تبقى من دماء المستضعفين في هذا الوطن الحبيب.
وغير خاف على حكومة “الكفاءات” التي أخفقت في مواجهة غلاء أسعار المحروقات ومختلف المواد الأساسية، أن السردين يعد من بين أهم وجبات الفقراء ليس لكون السردين من الأسماك الغنية بالبروتينات والفيتامينات والمعادن مثل الكالسيوم والمغنيزيوم، ولا باعتباره مصدرا أساسيا لزيوت (أوميغا 3) المفيدة لجهاز المناعة والجهاز العصبي، وإنما لأن سعره كان في متناول الجميع، ويقيس به المواطنون مؤشر ارتفاع ثمن الأسماك في السوق، إذ لم يكن الكيلوغرام الواحد يتجاوز العشرة دراهم في أحلك الظروف، على عكس ما هو عليه اليوم من ارتفاع رهيب إذ يتراوح ما بين 15 و20 درهما…
إننا نتساءل بحرقة عن مآل تلك الدولة الاجتماعية التي طالما بشرنا برخائها رئيس الحكومة والناطق الرسمي باسمها، ثم أين نحن من حماية القدرة الشرائية للمواطنين أمام هذه الفوضى الصارخة؟ فلا سبيل اليوم للخروج من هذا النفق المظلم عدا بالانكباب على إصلاح زراعي حقيقي، يسهم بفعالية في تحقيق الاكتفاء الذاتي مع مراعاة حاجيات السوق ومتطلباته، وضمان المخزون الاستراتيجي في المواد الغذائية وغيرها، دون إغفال حسن تدبير الموارد المائية…

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock