أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

عبير الماء

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

محمد شحلال

كان لانحباس الأمطار خلال الشهور الماضية ،أثر عميق في النفوس كما على الأرض.
وهكذا ،فان المنشأة المائية المعروفة ب،،سد لغراس،،أو سد على ،،وادي زا،،كما عرف فيما بعد،قد تحولت قبل أيام،الى مجرد خضخاض من طين،جعل المكان يتحول الى معقل للوحشة التي ارغمت الطيور المائية على الرحيل،والأسماك على الموت البطيء.
بعد أشهر من الحيرة المشوبة بكثير من اليأس،أمطرت السماء فجأة وبغزارة،مما جعل هذا الانسان الذي ،،خلق هلوعا،اذا مسه الشر جزوعا واذا مسه الخير منوعا،،ينسى كل الأهوال التي نسجها حول انحباس المطر،وتنبؤات علماء المناخ المتناسلة.
لقد استيقظ،،وادي الشارف،،من غفوة طويلة واستقوى بكل روافده في النجود العليا ،لينساب جارفا كل ما يقع في طريقه ،مثلما كان شأنه في الماضي البعيد،ولا يتوقف الا بمنطقة،،لغراس،،التي استقبلته بالأحضان ففتحت له الشعاب والأودية ليتمدد كما يحلو له.
يعرف المجرى المائي القادم من أعماق النجود العليا ب،،بالوادي الشارف،،وهي تسمية تنفيها فتوته الاستثنائية حين تغذيه الأمطار فيتحول الى مارد، لا يصمد في وجهه مانع،فاذا غادر منتجع،،تكافايت،،سارعت أجراف الغرانيت الشامخة على ضفتيه،الى ترديد أصداء هديره وكأنها تحذر الأحياء من أهواله !
ربما تأفف أهالينا من لقب ،،الشارف،،فعقوا عنه مجددا،وأسموه،،الوادي الحي،،لما يبث على جنباته من ايات الجمال عبر الجنان الفاتنة التي تغذي الانسان،وتعلمه ابجديات العشق الرومانسي،فاذا أشرف على مدينة،،تاوريرت،،حمل اسما ثالثا لا يخفى التقشف في اختياره : وادي،،زا،، حرفان وكفى !
توجهت أمس صباحا لزيارة البركة الاصطناعية بعد انتعاشها بفضل الله ورحمته،وكانت المشاعر مزيجا من الانتشاء والذكريات المعتقة .
عندما أصبحت على بعد خطوات من الماء،استقبلني بعبيره الذي لا يعرفه الا من عاش على ضفاف الأنهار خاصة بعد السيول،حيث تصنع من الأتربة والحجارة طيبا لا ترقى اليه كل ندود الشرق،لكنه طيب خاص بالساكنة،فكيف اذا تعلق الأمر بعبد ربه الذي راى النور على ضفة،، ايغزر نوورثان،،؟
( وادي أشجار التين)، وهو الاسم الذي يحمله في المنطقة التي ولدت فيها.
يدهشك ماء النهر والسدود والبحر عموما،بخاصية فريدة،ألا وهي التخلص من الشوائب التي يجرفها السيل،ثم الحركة الذائبة لصقل الماء حتى يكتسب الصفاء الذي حباه به الخالق ليتعظ به المخلوق.
لفت انتباهي كم هائل من المتلاشيات التي تلقي بها يد الانسان حيثما اتفق،وهي النفايات التي عذبتها قوة السيول،قبل أن تلفظها عملية التصفية التلقائية على الهوامش.
لم يكن بوسعي الوصول الى البقعة التي ولدت فيها، بسبب الأعطاب التي أصابت المسلك،لذلك سرحت بنظري مع امتداد الماء الذي يعكس زرقة السماء،ففتحت سجل أيام الطفولة الأولى حينما كان شرط السعادة الكاملة،هو أن تكون مخلوقا حيا وكفى !
ضاعت معالم المكان الذي ترعرعت فيه بعد التحويلات التي تطلبها انشاء السد،لكنها لم تضع من ذاكرتي،وهكذا تتزاحم فيها صور الكروم المتنوعة واشجار الرمان والخوخ البلدي ،وغنج الفتيات وهن يتهيأن لما بعد العزوبة عبر استفزازات الغواية التي تقف عند الخطوط ما قبل الحمراء.
استعادت المنشأة المائية شموخها،ورجعت الى الخلف تلتهم جوانب المرتفعات من أجل مزيد من التوسع،ولا توقفها الا أجراف،،السوايخ،،* التي لا تقاوم.
لم استأثر بمظاهر الانتشاء وأنا اتنقل بين مفاصل السد،بل كانت الطيور المائية التي انجذبت نحو المكان من جديد،تمارس شغبها على صفحة الماء بكل خيلاء،بينما اختارت قطعان الرتوت مكانا منيعا بين أشجار العريش الكثيفة لتعيش بعيدا عن ازعاج الانسان.
عندما كنت أهم ورفيقي بالعودة،تخيلت ماذا يكون عليه الحال لو أن جهة ما استثمرت في هذه الثروة الطبيعية العذراء ،التي لا يعرفها الكثيرون، لتتحول الى وجهة سياحية قد تفتح مزيدا من سبل الرزق للساكنة،فهل يلتفت أبناء البلدة الى هذه المنطقة الزاخرة بالمغارات غير المستكشفة والتضاريس المتنوعة التي تغري بالسياحة الجبلية،ناهيك عن هواية صيد الأسماك ؟
أسأل الله أن يجود علينا بمزيد من الأمطار حتى تظل هذه البركة مصدرا للحياة الكريمة.
* السوايخ : هي أجراف من الجرانيت الشامخة عندها يتوقف تمدد ماء السد عندما يبلغ أوجه….

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock