أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

استعمال حرف “لا” في الدستور بين قواعد النحو وقواعد الصياغة القانونية

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

بن يونس المرزوقي، أستاذ باحث بكلية الحقوق وجدة..

(مهداة إلى السي محمد غروس.. مُعَلمي بحاسي بلال جرادة)

حينما كنت أعِد دراسة حول استعمال “لا” في الدستور، كان غرضي الرئيسي هو البحث في مدى إمكانية استخراج قواعد دستورية انطلاقا من مختلف استعمالاتها. لكن حب الاستطلاع دفعني إلى البحث في بعض المعاجم والقواميس عن كلمة “لا”.
وجدت الشيء الكثير.. الذي لا مجال لتفصيله هنا..
لكن أثار انتباهي التمييز السائد بين “لا” الناهية، و “لا” النافية.
عادت بي الذاكرة إلى دروس النحو.
كنت أعتقد أنه بما أن مقتضيات القانون، سواء كان أساسيا، أو عاديا، أو فرعيا، تأمر وتنهي.. فمعناها أن الاستعمال يكون هو “لا” الناهية..
كان ذلك بمثابة قناعة يبدو أنها بديهية لأنني لم أكن أعيرها أي اهتمام.. لكن بمجرد ما بدأت أفكر في الموضوع استحضرت أساسا الاستعمالات التالية:

أولا، “لا” الناهية.. لها “قواعدها”.. فهي تُعتبر حرف جزم.. تدخل على المضارع فتجزمه: لا تَفْعَلْ كذا.. لا تَذْهَبْ إلى كذا…
والحالة أننا في صياغة النصوص القانونية نستعمل بصفة عامة فعل المضارع المرفوع: لا يُمْكِنُ.. لا يَجُوزُ…
القاعدة إذن هي أن هناك استحالة استعمال أوامر النهي كما هي متعارف عليها في قواعد النحو داخل نص قانوني.

ثانيا، “لا” النافية.. ورغم تعدد أصنافها فهي بصفة عامة تستعمل بنفس الدلالات..
وجدت أن هناك استعمال واحد لحرف “لا” النافية للجنس.. وهي التي تدخل على الجملة الاسمية.. فتنصب المبتدأ.. وترفع الخبر.. مثال:
“إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعةَ فيه، …”.

ثالثا، حرف “لا” السابقة.. وهي التي تلحق صدر الكلمة (…) وتدخل في تركيب عدد من الكلمات، منها داخل الدستور كلمتان: (لا مركزي، لا إنسانية):
– التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة (الفصل 1)؛
– “لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية” (الفصل 22).

رابعا، “لا” كحرف زائد للتقوية والتأكيد.. وهنا ينبغي الإشارة إلى أنه يُمكن الاستفادة من استعمالها في الجُمل التي تتكرر فيها “لا” عدة مرات..
مثال:
“لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان، ولا البحث عنه، ولا إلقاء القبض عليه، ولا اعتقاله ولا محاكمته، بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه، …” ((الفصل 64)..
ويُمكن الاستفادة من هذه القاعدة في صياغة أية جُمل من هذا القبيل.. عند استهداف التقوية والتأكيد.. مثال (الفقرة الأولى من الفصل 23):
“لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون”..
هذه الجملة يُمكن إدخال التأكيد عليها كما يلي:
“لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص ولا اعتقاله ولا متابعته ولا إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون”.

خامسا، حرف “لا” يعتبر أيضا كلمة وظيفيَّة.. وهكذا فهي باعتبارها تكون أيضا جوابًا (عكس نَعَم).. وهنا لا يمكن أن أقول إلا أن كل القواعد الدستورية التي تسبقها “لا”، تكون القاعدة العكسية صحيحة إذا كانت غير واقفة على شرط أو شروط ينبغي تحققها:
فمثلا: القاعدة الدستورية التالية الواردة بالفصل 74:
“لا يمكن تمديد حالة الحصار إلا بالقانون”
يقابلها عند الاستغناء عن استعمال “لا” ما يلي:
“يمكن تمديد حالة الحصار بالقانون”.

سادسا، “لا” كحرف يعمل عمل “ليس”.. ليس هناك استعمال لحرف “لا” كحرف يعمل عمل “ليس” في الدستور.. لأنها على العكس مما سبق تدخل على الجملة الاسمية.. فترفع المبتدأ.. وتنصب الخبر.. (مثال: لا حالةُ استثناء واردة)..

أما الدراسة الأكاديمية، فإنه سيتم نشرها قريبا في مجلة أكاديمية علمية.
مع تحيات بن يونس المرزوقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock