أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

ليس بالطلاء تنهض الدار البيضاء!

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

إسماعيل الحلوتي
جميل جدا أن تفكر وتدبر نبيلة الرميلي القيادية البارزة بحزب التجمع الوطني للأحرار قائد الائتلاف الحكومي الثلاثي وعمدة مدينة الدار البيضاء، ويستقر رأيها على أن تدشن ولايتها على رأس مجلسها الجماعي بإطلاق حملة واسعة تحت شعار: “لنتحرك جميعا لإعادة البهاء لمدينة الدار البيضاء”، تستهدف في مرحلة أولى إعادة صباغة واجهات أزيد من 1400 بناية، مع إعطاء الأسبقية للمباني والمنشآت العمرانية والمؤسسات العمومية بالشوارع الرئيسية والفضاءات السياحية والتاريخية والأسواق العصرية والشعبية وغيرها باللون الأبيض المفتوح، انسجاما مع الإسم الذي تحمله المدينة.
وهي مبادرة طيبة لا يمكن إلا أن نثمنها ونصفق لها بحرارة، لاسيما أنها تهدف إلى إعادة الاعتبار للطابع الجمالي للمعمار المغربي والتراث اللامادي، من خلال توحيد اللون الأبيض الذي يرمز إلى النقاء والصفاء، وذلك على غرار مدينة مراكش الحمراء ومدينة شفشاون الزرقاء، اللتين اختير لهما اللونان الأحمر والأزرق طلاء رسميا، في انتظار أن تعم المبادرة جميع مدننا المغربية وتليها مبادرات أخرى على جميع المستويات وخاصة الثقافية والرياضية…
بيد أنه حتى وإن كان لمدينة الدار البيضاء عاصمة المغرب الاقتصادية وقلبه النابض من المؤهلات ما يجعلها ترقى إلى مصاف كبريات المدن العالمية، فهي في المقابل تشكو من عدة اختلالات وتتخبط في الكثير من المشاكل وخاصة على المستوى البيئي. وبالإضافة إلى مكانتها التجارية والصناعية، تعد مركزا أساسيا للأنشطة المالية، حيث تتمركز فيها أزيد من 55 في المائة من وحدات الإنتاج الوطني وأكثر من 30 في المائة من شبكة الوكالات البنكية، فضلا عن مؤسسات التأمين والفنادق السياحية وغيرها، وتشغل ما لا يقل عن 40 في المائة من الساكنة النشيطة. لكنها مازالت عاجزة عن توفير الشروط الأساسية للساكنة من حيث التوازن البيئي، في ظل تحديات بيئية كبيرة تنعكس سلبا على صحة المواطنين وجودة الحياة وقيم العيش المشترك، من قبيل المرافق الحيوية للقرب والنقل المريح والمساحات الخضراء ونظافة الهواء…
فالدار البيضاء ليست بتلك الحاجة الملحة إلى تزيين الواجهات الخارجية، بقدر ما هي أحوج ما تكون إلى معالجة ملفاتها الثقيلة على مستوى استشراء الفساد والصفقات المشبوهة، وإسناد مهام تدبير شؤونها لمن يستحقها من النزهاء وذوي الكفاءة، ومبادئ الشفافية والحكامة الجيدة والمراقبة الصارمة وربط المسؤولية بالمحاسبة. وأن تحظى بتدبير جيد يرقى إلى مستوى أهميتها ويستجيب لانتظارات الساكنة، ويساهم في حسن تهيئتها وتحويلها إلى قطب مالي حقيقي، ينافس المدن الكبرى في مختلف بقاع الأرض. ولا يمكن لها أن تصبح مدينة ذكية إلا إذا ما توفرت لها مجموعة من الخدمات التكنولوجية المتطورة، ومن ثم الانتقال إلى مدينة التنمية الإدارية والرقمية المرجوة…
إذ طالما استاءت ساكنتها من سوء التدبير وما تعيش على إيقاعه من تدهور الأوضاع وأزمات متلاحقة، من حيث تراكم الأزبال وهشاشة البنية التحتية، التي تكشف عنها القطرات المطرية الأولى كلما حل فصل الشتاء وكانت الأجواء ماطرة، من خلال انسداد مجاري الصرف الصحي وعدم القدرة على استيعاب منسوب المياه المطرية، التي تغمر سريعا الأحياء والشوارع وتلحق أضرارا بليغة بالبيوت السكنية والمحلات التجارية، وما يحدث أحيانا من فيضانات تغرق السيارات والدراجات والعربات المجرورة، وتعرقل حركة السير والجولان…
كما أنه كثيرا ما تتحرك بعض جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ونشطاء الفضاء الأزرق في اتجاه المطالبة بإنقاذ المدينة مما باتت ترزح تحت وطأته من مشاكل وتحديات تحول دون تحقيق تنمية المدينة وتطويرها، سواء على مستوى التدبير المحلي في مختلف المجالات، وخاصة تلك التي تهم استغلال الأماكن العامة والطرق والنقل والمساحات الخضراء ومناطق الترفيه وغيره، أو على مستوى عدم اكتمال إنجاز المشاريع التي ظلت حبيسة الرفوف، ومنها تلك المرتبطة بتطوير البنية التحتية والنهوض بالمراكز الثقافية والرياضية والترفيهية، أو على المستوى البيئي…
فقلب المغرب أضحى على وشك التوقف عن النبض بفعل التلوث البيئي، بسبب التوسع العمراني واحتضان المدينة لنسيج من الصناعات والأنشطة التجارية والخدماتية، التي تشكل جميعها معيقات أساسية أمام مسار التنمية. وفي هذا الصدد تشير إحدى الدراسات العلمية المنجزة من قبل مجموعة من الأطباء بكلية الطب والصيدلة خلال سنة 1995 إلى أن هناك 12 في المائة من أطفال المدينة يعانون من الربو، لانعدام المساحات الخضراء الكافية والمتلائمة مع المعايير الدولية، إلى جانب الاختناق الذي تعرفه الشوارع والطرقات، بفعل ارتفاع عدد المركبات وما تخلفه من أدخنة، والوضع السيء للعديد من وسائل النقل العمومي والخاص. ناهيكم عن التمدد العمراني والحضري العشوائي، والإكراهات المتعلقة بتدبير النفايات والصرف الصحي وانتشار الوحدات الصناعية داخل التجمعات السكنية وما إلى ذلك من الاختلالات…
إن نبيلة الرميلي التي أبت إلا أن تضحي بمنصبها الوزاري في وزارة الصحة مقابل التفرغ لمهامها في رئاسة المجلس الجماعي لمدينة الدار البيضاء وخدمة ساكنتها، مطالبة بتكريس جهودها في اتجاه بلورة استراتيجية استقطابية واضحة وشفافة، العمل الجاد والمسؤول على تنمية المدينة وتطويرها، والحرص الشديد على تجاوز المعيقات التي تواجهها، مثل تداخل الاختصاصات وغياب الالتقائية في سياسة تدبير قطاع البيئة وغيره من القطاعات الأخرى، الاهتمام بالبنية التحتية واعتماد الحكامة الجيدة في التسيير ومحاربة مختلف مظاهر الفساد… فالدار البيضاء ليست بحاجة فقط إلى إعادة صباغتها باللون الأبيض، بل هي بأمس الحاجة إلى قلوب بيضاء وأيادي نظيفة من أجل إعادة تأهيلها على مختلف الواجهات.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock