أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

فرنسا، يهود الجزائر ونظام العسكر .. هل تتحول الذاكرة المشتركة لحصان طروادة !؟

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

بقلم .. عمر الطيبي

حرص نظام العسكر في الجزائر، ومنذ استقلال البلاد سنة 1962، على شحن الجزائريين أيديولوجيا بتصور وردي عن تاريخ بلادهم، حتى أصبح شطر كبير من الشعب الجزائري
يدمن تاريخا مغلوطا يتعالى على المنطق العادي لتواريخ الدول والشعوب، فهذا التاريخ وفق ما صورته السردية الشعبوية الشوفينية للعسكر هو بالدرجة الاولى تاريخ تاسيس أعظم الدول، وتحقيق أكبر الفتوحات، وصناعة اغنى الحضارات، اما أرض الجزائر، فهي – حسب السردية اياها – وحدها، ومن دون سائر بلدان العالم، ارض النخوة والمقاومة و”النيف” والبطولات، او لنقل انها تلك الارض التي تتناسل تحت ثراها جثامين الشهداء كما يتناسل الأحياء فوق اديمها سواء بسواء، ما جعل أعداد شهداء البلاد، تنتقل على السنة المسؤولين الجزائريين، وفي ظرف وجيز من مليون ونصف، إلى خمسة ملايين، ثم إلى عشرة، والرقم مرشح للارتفاع اذا ما بقي العسكر في سدة الحكم !؟.

هذا التصور التاريخي، أو بالأحرى اللاتاريخي، الوردي المغلوط الذي حرص النظام على رعايته وترسيخه في ادمغة المواطنين خلال الستين سنة الأخيرة بمختلف السبل، بما في ذلك السطو على ثقافات وتواريخ الجيران ونسبتها للجزائر ، بدأ يضمحل ويتلاشى بفعل عوامل شتى منها تزايد الوعي السياسي لدى الجزائريين، خاصة منهم فئة الشباب، نتيجة لتاثير وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط الإعلام الحديث، مما تجلى بوضوح في شعارات الحراك السلمي الذي عرفته البلاد ابتداء من 22 فبراير 2019.

اضطر هذا الانكشاف الايديولوجي نظام العسكر لبذل جهد اضافي من اجل ترميم تلك الصورة الوردية المتلاشية، وقد وجد ضالته، أو هكذا خيل اليه، في احياء موضوعة اعتذار فرنسا عن استعمارها للبلاد، ومطالبتها بفتح “خزائن” الذاكرة المشتركة حتى يمكنه ان يمتح منها لتغذية الأوهام في عقول الناس، وقد عزز هذا المطلب الرئيسي بمطالب فرعية ذات بعد رمزي، منها بالخصوص تسليمه جماجم شهداء القرن التاسع عشر، وسيف الأمير عبد القادر ، ومدفع بابا مرزوق العثماني (العملاق) وايضا الأرشيفين الخاصين بالاستعمارين العثماني والفرنسي.

ولأن “الجمال يعرف في الغالب ما يدور في رأس الجمل” كما يقال، فقد وافق الرئيس ماكرون صيف 2020 الرئيس تبون على تشكيل إطار للاشتغال على قضايا الذاكرة المشتركة لبلديهما واتخاذ ما يلزم من الإجراءات بزعم “جعل هذه الذاكرة قوة دفع للعلاقات بين البلدين”، وعين من ثم المؤرخ اليهودي الفرنسي من أصل جزائري بنجمان ستورا مندوبا عنه مكلفا بالموضوع، في مقابل تعيين الرئيس تبون مستشاره المكلف بالارشيف والذاكرة الوطنيين عبد المجيد شيخي ممثلا له لتولي المهمة نفسها عن الجانب الجزائري .

لكن بمجرد مرور وقت وجيز تبين أن الطرف الجزائري لا يملك اي تصور ولا اية رؤية خاصة به لمعالجة الموضوع، حتى أنه لم يتصور، ولو من باب الحذر اوالاحتياط، ما قد ينطوي عليه فتح ملف بهذه الحساسية من مفارقات بل ومفاجآت قد لا تكون سارة بالضرورة بالنسبة اليه، وهذا بالضبط ما يفسر لماذا بدا نظام العسكر متفاجئا ورافضا تماما لما جاء في التقرير الذي نشره ستورا صيف السنة الجارية حول تصور الجانب الفرنسي لمعالجة الملف، وهو يبين بالخصوص لماذا أثارت تصريحات الرئيس ماكرون مطلع أكتوبر الماضي، غضب هذا النظام، وقد جاء في تلك التصريحات: “انه لم يكن هناك وجود امة في الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي، ولا كانت فيها دولة قبل أن تؤسسها فرنسا”.

ولعل مما اجج غضب الجنرالات على خطاب الرئيس الفرنسي وزاد في حدته هو حرص ماكرون على القاء خطابه أمام عينة من الشباب، الممثلين رمزيا للفئات المشكلة للمجتمع الجزائري لفترة ما قبل الاستقلال، ومنهم بعض احفاد مجاهدي الثورة، وابناء الجزائريين الحركيين الموالين لفرنسا، وشبان من المنحدرين من اوروبيي الجزاير (الاقدام السوداء)، وايضا وبالخصوص عينة من ابناء الطائفة اليهودية المنحدرة من اصول جزائرية.

تزامنت هذه التصريحات تقريبا مع صدور كتاب للمؤرخ بنجمان ستورا بتعاون مع الرسام نيكولا لوسكانف تحت عنوان .. ” histoire dessinée des juifs d’Algerie”, plongée dans une mémoire millénaire
وهو مؤلف حاول الكاتب من خلاله، “اعادة تشكيل نحو 23 قرنا من التاريخ اليهودي في الجزائر” على حد وصف ساندرين بيرتو كلير في صحيفة (لوموند).

يتتبع المؤلفان في هذا الكتاب، بالكلمة والرسم، تاريخ يهود الجزائر الذين حافظوا، حسب ما جاء فيه، على اللغة العبرية التي ظلوا يستعملونها في حياتهم الدينية، على امتداد 2300 سنة من الحضارة، وفي الوقت نفسه اندمجوا في الحياة الاجتماعية للجزائريين الآخرين ، مشيرا الى انهم “تعايشوا مع القبايل البربرية التي اعتنقت الإسلام في القرن السابع الميلادي، ورغم بعض المصادمات المحدودة بين الطرفين فإن العلاقات بينهما سادها في غالب الاحيان التعايش والتفاهم “.

يصف الكتاب من جهة اخرى التحول الذي حدث بالنسبة لوضع اليهود في البلاد بعد مرور 40 سنة على احتلال فرنسا للجزائر، وذلك بعدما صدر مرسوم (Crémieux ) سنة 1870 الذي أعطى امتيازات لليهود المحليين les juifs indigènes في كل من وهران والجزائر وقسنطينة البالغ عددهم إيامها 35 الف نسمة، وعلى رأسها منحهم الجنسية الفرنسية، مع إبقاء المسلمين خاضعين لقواعد إدارة السكان المحليين (les indigènes ) مما تسبب في انقسام حاد بين المجموعتين اليهودية والمسلمة.

توقف الكاتب ايضا عند القمع الذي عانى منه يهود الجزائر عقب الاحتلال الالماني لفرنسا والغاء حكومة فيشي العميلة لمرسوم كريميو، ما ترتب عنه الغاء جميع الامتيازات التي كانوا يحظون بها، ومنها حق التمتع بالجنسية الفرنسية، كما تطرق الكاتب إلى معاناة هؤلاء اليهود الناجمة عن الاضطرابات التي عرفتها البلاد جراء حرب التحرير (1954/1962) والتي انتهت، حسب المؤلف باقتلاعهم من جذورهم، حتى انهم لم يعودوا يعرفون اللغة العربية التي تحدث بها آباؤهم واجدادهم لقرون وقرون .

هكذا وسواء تعلق الأمر بخطاب الرئيس امام عينة من الشباب المنحدر من الفئات المشكلة المجتمع الجزائري لما قبل الاستقلال، أو بمضمون مؤلف ستورا حول 2300 سنة من تاريخ اليهود في الجزائر، فقد اصبح من الواضح أن الجانب الفرنسي اشتغل على إعادة صياغة إشكالية “الذاكرة الفرنسية الجزائرية المشتركة” على أسس استراتيجية مغايرة تماما لما كان يتوقعه نظام العسكر.

لقد أصبحت رسالة فرنسا للجنرالات كالتالي .. “تريدون منا الاعتذار عن 130 سنة من الاستعمار وتريدون استعادة الذاكرة .. طيب .. تعالوا نبحث اولا ذاكرة ومعاناة وطرد فءات جزائرية واسعة معنية بدورها بهذه الذاكرة، .. وتريدون فتح سجل هذه الذاكرة خلال 130 سنة هي عمر الاحتلال الفرنسي للجزائر .. طيب تعالوا نفتح اولا ملف التاريخ اليهودي في الجزائر الممتد لنحو 2300 سنة” !!!؟؟

في الختام يبقى السؤال الذي يفرض نفسه على المتتبع في هذا الصدد بالحاح هو: الا تعمل فرنسا على تحويل قضية الذاكرة الجزائرية الفرنسية المشتركة إلى حصان طروادة لإيصال إسرائيل باعتبارها “ولي دم” يهود العالم، إلى العمق الجزائري؟؟؟!!! أما بالنسبة للجنرالات فان باريس تعرف، عندما تقرر ذلك، كيف تمسكهم من اليد التي تؤلمهم، أي من الحسابات البنكية السرية المهربة والممتلكات المنهوبة من الجزائريين المسجلة في المحافظة الفرنسية بأسماء أبناءهم وزوجاتهم، يضاف اليها ملفات القتل والإرهاب المسجلة عليهم خلال العشرية السوداء.
ع.ط

الرباط في 25\11\2021

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock