أخبار جهويةأخبار محليةأخبار وطنية - دولية

هرم الحاجيات الإنسانية لم يتوفر بعد في حواضرنا

ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة - MEDIA COM ميديا كوم ... جريدة إلكترونية ... شاملة -  MEDIA COM

محمد طلبي

لم يعرف تاريخيا من اخترع المرحاض، ولا متى كان ذلك؟ فبعض الكتابات تشير إلى آثار لمراحيض في اسكتلندا يعود تاريخها إلى 3000 سنة قبل الميلاد، وأخرى إلى اليونان حوالي 1700 سنة قبل الميلاد، لكن ما هو متفق عليه هو أهمية هذا المرفق لدرجة أنه قد أنشأت لأجله منظمة دولية، وخصص له يوم عالمي يصادف 19 نونبر من كل سنة. فهل نحن في المغرب واعون بأهمية هذا المرفق؟
سأجيب عن سؤالي انطلاقا من طريق كنت أتخذه بداية هذا القرن، ومررت به مؤخرا مع بدايات هذه السنة. ففي طريقك من وجدة إلى الرشيدية لا بد للحافلة أن تتوقف بست مدن، وكل «محطات» هذه المدن لا تتوفر على مراحيض تليق بعصرنا هذا، سواء من حيث شكلها أو من حيث نظافتها. لكن مدينة بوعنان، المدينة المعروفة بكرم أهلها، وابتسامتهم، وبساطتهم، تبقى الحالة الأكثر شذوذا في كل هذا! نعم لقد وجدت أن «محطتها» لم تتغير… هي كما كانت منذ 22 سنة مضت، بل وأكثر… لا شيء تقريبا تغير… كل شيء ساكن، كأن الزمن لم يتحرك قيد ثانية… لا البنايات تغيرت، ولا الوجوه السمراء الجميلة استبشرت… والصادم حقا أن نفس الجواب «سير مور الحيط» لا زال يردد وأنت تطلب الدخول إلى المرحاض. جواب «سير مور الحيط» هذا سمعته لأول مرة بهذه المحطة سنة 2001، وهأنذا أسمعه بعد 22 سنة! دخلت مقهيين أو ثلاثة، وكم كانت مفاجئتي حين اكتشفت أن حتى المقاهي لا تتوفر على دورة مياه… ولم أجد قصدي إلا وأنا أدخل مقهى رابع حتى لا أضطر إلى «مور الحيط» … وكم كانت فرحتي كبيرة وأنا أقول لنفسي: أخيرا وجدتَ مكانا تتبولُ فيه! نعم خاطبتُ نفسي مبتهجا، وكأن الأمر إنجاز عظيم!
كان المرحاض عبارة عن قفص لا يتجاوز طوله المتر، ومكتوب على بابه الخشبي «2 dh» … بعد أن انتهيت سلمت النادل بعض من دراهم ثم انصرفت… انصرفت والمرارة تعصر قلبي على وطن تداس فيه كرامة أهله أينما توجهوا! حتى وهم يبحثون عن مكان لقضاء حاجتهم الطبيعية، وحضَرتني صورة امرأة تبحث عن مرحاض… هل سيقال لها هي كذلك «سيري مور الحيط»؟ … يا لحقارتنا!
لقد مر أكثر من 4000 سنة على اختراع هذا المرفق بالحواضر، ولا زالت حواضرنا دون مراحيض عمومية… نعم لا زالت حواضرنا محتفظة على «حيطان مبولة»!؟ إنه الدليل على أن المسؤول المغربي، منتخبا أو معينا، لا يعير كرامة الإنسان أي اعتبار… إنه الدليل على أن انتخاباتنا مضيعة للجهد والمال… فحسب العديد من المنظمات الدولية تعد المراحيض، بارتباطها بمجاري الصرف الصحي، مؤشرا من أهم مؤشرات التنمية البشرية. المراحيض باروميتر لقياس مدى اهتمام السلطات المحلية والوطنية بالبيئة. المراحيض مؤشر على درجة التقدم، وأداة لتحديد موقع المواطن من السياسات العمومية. فماذا سيقول المسؤول المغربي وهو يسعى إلى استقطاب ملايين السواح أمام سائح توقف فجأة بمحطة بوعنان وطلب الدخول إلى المرحاض؟ لم يكن وقتي كافيا، وأنا أخط هذه الأسطر، لأرى ما كتب حول الموضوع في موقع مشهور مخصص لمثل هذه الحكايات… إنني متأكد أن الموضوع قد كتب عنه شيء، وإن لم يكن عن بوعناننا فهناك العديد من الحواضر بالمغرب شبيهة ببوعنان…
أخيرا، وكما هو معروف في الفكر الغربي، إذا أردت أن تعرف مستوى فندق ما بغض النظر عن عدد نجومه، فعليك بإلقاء نظرة على مراحيضه. والفكرة هاته قد عُممت على الأمم نفسها، حيث أصبحت جودة المراحيض والصرف الصحي مؤشران على تقدم أمة ومستوى تنميتها، ودليلان قاطعان على تحضر أهلها ونسبة وعيهم… إن عدم توفير محطات طرقية تليق بزمننا هذا، وتحترم الكرامة الإنسانية، يعود أساسا إلى قصور السياسات العمومية المتبعة منذ الاستقلال، وإلى ما ترتب عن هذا القصور من تفش للفساد، حيث تجد المجالس البلدية والقروية منخرطة – في الظاهر – في مشاريع كبرى، لكنها تغفل حتى عن تدشين مرحاض عمومي للساكنة المحلية وللعابرين، يحفظ كرامة الإنسان، ويساهم في رضاه وراحته الدنيا، ويحسن صورة المغرب لدى زائريه، بل وقد يوفر مناصب شغل قارة…
كلمات مفتاح: المغرب، بوعنان، المرحاض، التنمية

محمد طلبي،
وجدة، المغرب.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock